الفصل الخامس: طه حسين وفن العمود الصحفي

مدخل

...

الفصل الخامس: طه حسين وفن العمود الصحفي:

نتحدث في هذا الفصل عن "فن العمود الصحفي" في مقاله طه حسين، لنتعرَّفَ على فَنٍّ مقالي جديد في صحافته التي يمكن أن نميز فيها اهتمامًا بالغًا بفنون: "المعالم" في التحرير الصحفي، كما تبين من دراسة التقرير الصحفي والحديث الخاص، وكما سيجيء عند دراسة المقالات الصحفية صلى الله عليه وسلمrticles1 والمقالات الرئيسية Leadin صلى الله عليه وسلمrticles2، ويجيء فن العمود الصحفي في مكانه من الجانب المقالي الذي احتلَّ حيزًا كبيرًا من صحافته, لما يمتاز به من وصف واقعي ورجوع إلى مصادر الأنباء، وأسلوب صحفي اجتماعي بسيط, فضلًا عن تنوع أساليب التحرير في مقاله، على النحو المتقدِّم.

وعلى الرغم من أن لفنِّ العمود الصحفي في الجريدة اليوم منزلة الباب الصحفي الثابت في العالم، وعلى الرغم من أن عدد قرائه يزيد كثيرًا على عدد قراء الافتتاحية غير الموقعة، فإن تكامل العمود وشعبيته حديثا عهد نسبيًّا3. ذلك أن الصحف اهتمَّت في حياتها بالخبر ثم بالمقال، بينما لم يتسع المجال للعمود الصحفي, فلم يظهر إلّا متأخرًا، وإذا جاز أن يختار تاريخ لظهور أهمية العمود الصحفي في الصحف، فإن من المرجَّح أن يكون ذلك التاريخ منحصرًا في أوائل القرن العشرين4. فالصحف العربية والمصرية خاصة، كانت تعتمد على المقال الافتتاحي، الذي كان طويلًا في البداية، ثم أخذ يقصر شيئًا فشيئًا، كما كانت موضوعات هذا المقال تدور حول موضوعات جادة في أغلب الأحيان, وإن كانت تتناول أحيانًا بعض الموضوعات الطريفة. غير أن الصحف المصرية قد أخذت عن الصحافة الغربية فن العمود الصحفي5، وقد سبق أن تعرَّفْنَا على اتجاه طه حسين في أوائل العشرينيات إلى العمود المتخصص، أو الثقافي في "حديث الأربعاء"6.

ومن ذلك يبين أن ظهور العمود المتخصص، ابتداء، في مقال طه حسين، يعكس حاجة التجاوب بين الصحافة وطبقات الشعب المصري بعد ثورة 1919، والتي دفعت الكُتَّاب إلى أنحاءٍ من التصوير والتعبير سعيًا إلى أن تكون "مرآة صافية" صقيلة لحياة الشعب، يرى فيها الشعب نفسه, فيحب منها ما يحب,

طور بواسطة نورين ميديا © 2015