ونخلص من ذلك جميعًا إلى أن الرسائل المقالية، شأنها شأن أساليب التحرير في مقاله، ترفدها عناصر أصالة, ومظاهر تجديد في تيار وظيفيٍّ عام، يميز فنَّ المقال في صحافة طه حسين عن صحافة الإنشاء والخطابية, وينبع من رؤيا صحفية عملية تزخر بالأفكار وتحويل المقالات السياسية إلى نوع من التوعية العلمية الاجتماعية, التي تستند إلى الاستقراء والتحليل "لصحائح الأنباء" بتعبير أبي العلاء, مهما تكن الأحداث والخطوب والظروف. ذلك أن طه حسين، شأنه في ذلك شأن فولتير "صحفي عبقري" كما يصفه "لانسون"1 من حيث التأثير في الرأي العام، وتوجيهه إلى جميع النتائج التي تقتضيها الاستراتيجية القومية، متوسلًا بفنون مقالية جديدة يعرض فيها أفكاره، ويصوغها على نحوٍ ييسر الاتصال بالجماهير، تمتاز بالسخرية الهادفة التي تنبع من العقل، على نحو ما نجد في الرسائل المقالية, وفي المقال الرمزي خاصة، ذلك أن إشعار النماذج -كما يقول فولتير2- بالنقص في التفكير عن طريق السخرية والمسخ يصلح من أنفسها، وهذه الطريقة التي تتبع في تقدير الأشياء بالعقل لا بالعاطفة "طريقة فرنسية إلى أكبر حد"3، تمثِّلُ مظهرًا من مظاهر التأثُّر في صحافة طه حسين، التي تتمثَّل كذلك وضوح الأسلوب ونقاءه وسلامته ووظيفيته الهادفة في نهاية الأمر.