الأصل في كل شيء مع فضل من جمالٍ في الأسلوب والسياق, وهو يبدأ "رسالة الشكر والكفر"1 بالدعاء لمحمد بن عبد الملك الزيات"2 كما بدأ الجاحظ "رسالة التربيع والتدوير" بالدعاء لأحمد بن عبد الوهاب3, ثم يمضي في رسالته على النحو الذي يبدو في رسائل الجاحظ من السخرية والتحذير، من النظام السياسي في مصر، ومن ظاهرة "الرضاء السامي"4 التي ترتبط بالملك السابق، والتي أصاب منها طه حسين شرًّا كثيرًا5, كما يبين من "الشكر والكفر"، ومن ارتباط أحداث الرسائل ووقائعها التي قد تُعْرَف في الرمز، بسياق الحركة العامة للأحداث في مصر من حوله، ... "قلت لصاحبي: أجاد أنت في إضافة هذا الكلام إلى الجاحظ؟ قال وهو يغرق في الضحك: ما أكثر ما أضاف الجاحظ إلى الناس ما لم يقولوا, فما يمنعني من أن أضيف إليه ما لم يقل..! "6.
ومن الخصائص الجاحظية في رسائل طه حسين المقالية، كذلك ظاهر الاستطراد في أسلوبه، والعناية الظاهرة بجرس اللفظ، وموسيقى العبارة، وتقطيع الكلام قِطَعًا متوازنة، نستطيع أن نقف عند كل واحدة منها، فنحن عندما نقرأ مقالًا لطه حسين, أو نقرأ للجاحظ، لا نحسُّ عسرًا في فهمه بل نجد يسرًا ومرونة7؛ فالنثر عند طه حسين شأنه شأن نثر الجاحظ، لا يلذّ العقل وحده ولا الشعور وحده، ولكنه يلذُّ العقل والشعور والأذن أيضًا، لأنه قد نُظِّمَ تنظيمًا موسيقيًّا وأُلِّفَ تأليفًا خاصًّا له نسب خاصة، فهذه الجملة لها هذا المقدار من الطول, وهذه الجملة تناسب هذا الموضوع، وإذا قصرت هذه الجملة لاءمتها تلك الجملة، وإذا ضخمت ألفاظ هذه الجملة كانت الجملة التي تليها على حظٍّ من السهولة8. ومن ذلك ما جاء في "رسالة الأمر والنهي"9: " ... وخشيت أن يتجاوز الديوان إلى مجالس الأشراف في قصورهم، والقوّاد في جنودهم، والعامة في أنديتهم ومجالسهم, فيتحدث الناس عنك بما لم يتحدثوا بمثله عن الوزراء من قبلك، وتقع في نفوسهم لك مهابة تقوم على الخوف والبغض، ولا تقوم على المحبة والتجلة, وشَرُّ ما يتعرض له أصحاب السلطان أن يهابهم الناس خوفًا ورهبًا, وخير ما يتاح لأصحاب السلطان أن يهابهم الناس