بعنوان "نفوس البيع"1, عام 1949, ثم باسم "مرآة الضمير الحديث" بعد ذلك، في ظروف سياسية اقتضت التوسُّل بالرمز، على النحو المتقدِّم، لترمز إلى "مظاهر كنا نبغضها ولا نستطيع أن نتحدث عنها في صراحة أثناء تلك الأيام السود"2 التي انقطعت فيها الصلة بين النظام السياسي والشعب3، وشاع الملق السياسي, وانتشرت الرِّشْوَة في ظلِّ نظام أصاب طه حسين نفسه بالاضطهاد زمنًا طويلًا "لأنه يملأ الصحف حديثًا عن المعذَّبين في الأرض, فإذا أراد الصحفيون أن ينتخبوه نقيبًا تدخل الملك في الأمر، وأرسل إليه الوزير محمد هاشم يقصيه عن هذا المنصب الذي يتم الاختيار فيه بالانتخاب، تحاشيًا لغضبه من جهة، وإرضاء لرجله إدجار جلاد الذي كان يطمع في المنصب من جهة أخرى"4.
ومن ذلك يبين الارتباط بين الرسائل المقالية، والمقال الرمزي من حيث الظرف الاضطراري إلى التوسُّل بالرمز، في التعبير عن المضمون السياسي والاجتماعي من خلال "رسائل تنسب إلى الجاحظ, وأراها محمولة عليه؛ لأن تكلُّف التقليد فيها ظاهر"5، وهو ليس تقليدًا في ذاته، وإنما يتوسَّل به في أداء وظائف المقال الصحفي الحديث من خلال هذا الشكل في الرمز والتلميح. على الرغم من إيهام "الرقيب" أن هذه الرسائل "للجاحظ وغير الجاحظ من كُتَّاب القرن الثالث والرابع للهجرة, ولم أكد أنظر فيه حتى بهرني وسحرني, وكرهت أن أوثر نفسي بقراءته، فجئت أظهرك عليه وأشكرك في الاستماع به"6.
ويشير أسلوب هذه الرسائل المقالية في صحافة طه حسين إلى الخصائص الجاحظية في الكتابة، والتي يمثِّلُها التحرير المقالي في صحافته، من أهمها: الإسهاب والاستطراد، واتساع العبارة، وجذب القارئ، وسحبه بلطف ومهارة، ثم هي مدرسة تُعْنَى كذلك بالتأليف بين الألفاظ بعضها وبعض من جهة، وبين المعاني بعضها وبعض من جهة ثانية7.
وتظهر هذه الخصائص في الرسائل المقالية عند طه حسين، من خلال استخدام وظيفي في التصوير والتعبير الواقعي البسيط، عن الواقع السياسي والاجتماعي في مصر وصف ملامسة وعيان، فلا تَحْلِيَة ولا تَعْرِية حتى تحاكي