حبًّا وإكبارًا, وطمعًا فيما عندهم من الخير، ورغبة فيما يجدون عندهم من البر والمعروف"1.
ومن ذلك يبين ارتباط هذا الشكل الجاحظيّ بأحداث الواقع السياسي والاجتماعي في مصر، وما ألمَّ به من فساد وانتكاس للدستور.
"واعلم جُعِلْتُ فداك أن الزمان لا يثبت، وإنما هو مُنْطَلِقٌ دائمًا, وأن الأيام لا تستقر، وإنما هو نهار يتبعه نهار، والأحداث في أثناء ذلك تحدث، والخطوب في أثناء ذلك تلم، والنوائب في أثناء ذلك تنوب، والوزراء يولون ويعزلون، والحكام ينصَّبون ويُصْرَفون، والدنيا تُقْبِلُ وتُدْبِرُ، والحوادث تحلو وتَمُرُّ، والرجل اللبيب من اعتبر بهذا كله فلم يُسْرِفْ على نفسه، ولم يسرف على الناس، ولم يقدم بين يديه من العمل ما يسوءه في الدنيا ويجزيه في الآخرة"2.
وفي "رسالة الأمر والنهي" يتناول بالنقد اللاذع ما تعرضت له الحرية من رقابة صارمة، وقوانين كثيرة "تحمي الملك وتمنع التعرض له أو لحاشيته بأهون السوء"3.
يقول طه حسين: "وأنت بعد ذلك لا تستيطع أن تعقل الألسنة المنطلقة، ولا أن تحطِّم الأقلام المشرعة، ولا أن تمنع القلوب من الشعور, والعقول من التفكير، فدع الناس ومايشاءون أن يقولوا فيك من الخير والشر، ومن الحمد والذم، وانتفع بذلك كله في إصلاح نفسك, وفي تجنب ما يشينك إلى ما يزينك"4.
ونخلص من ذلك إلى أنه طه حسين، قد انتقل بالرسائل الجاحظية إلى متطلبات الذيوع والانتشار، موظفًا إياها لوظائف المقال الصحفي، في أسلوبٍ تحريري أقدر وأوسع للمعاني والمواقف الصحفية يتناولها من جميع وجوهها, دون أن يحول بينه وبين الاتجاه فيما يريد "شرط من الشروط التي كانت تقيد الشعراء. ونجد هذا واضحًا عندما نقرأ الرسائل الكثيرة التي صدرت عن كُتَّابِ القرن الثالث, وبنوع خاصٍّ عند الجاحظ"5.
على أن الرسائل المقالية في صحافة طه حسين، تتمثَّل إلى جانب هذه الخصائص الجاحظية، خصائص أخرى مستفادة من ثقافته الأوربية، كما في "الرسائل الفارسية" لمونتسكيو، و"الرسائل الإنجليزية" لفولتير، وغيرها،