الاتجاهات العامة، وأثر مدرسة الجريدة في الاستشعار بالذات القومية، كيف انتهت إلى تكوين مقوماته في الاتصال الصحفي، التي كان لها أثرها فيما أذاعه من آدابٍ وآراء فكرية ونظم اجتماعية وسياسية مختلفة، في إطار مفهوم عملية الاتصال وتحقيق التناغم والتوافق بينه وبين جمهور قارئيه, وهو الأمر الذي تبيَّن من دراستنا لمكانه في النظام الاجتماعي, وكذلك مكانه من بيئة المقال الصحفي في مصر، التي رأيناها تمتد زمنيًّا لتشمل النصف الأول من هذا القرن، يعاصر فيها طه حسين عهودًا متباينة من عهود التحرير الصحفي، ويتطور معها على النحو الذي تقتضيه "الأصالة والتجديد، دون أن يقصر في شروطها ومقتضياتها, واستطاع أن يَعْبُرَ الفوارق الضخمة بين صحافة البداوة وصحافة الحضارة في سهولة ويسر, لما كان يتمتع به كصحفي منذ مطلع حياته من الأسلوب المتميز الجميل والذوق المتطور، وكأن لثقافته الفرنسية، ووضوح النموذج الفرنسي في الفنِّ الصحفي في رؤياه الإبداعية، أثر كبير في معرفة صناعة الخبر وأسلوب النزال وطرق التشويق وسبل النفاذ إلى نفسية القارئ وكيفية الإقناع والتنويع في المادة المحتواة، إلى جانب ما تمثله في بيئة التكوين من مذاهب الكتابة والتحرير الصحفي على النحو الذي تشير إليه صلته بأستاذه لطفي السيد في الجريدة، والشيخ عبد العزيز جاويش في صحف الحزب الوطني، فكان الأخير يحبِّبُ العنف إليه ويرغِّبَه فيه ويزيِّن في قلبه الجهر بخصومة الشيوخ والنعي عليهم في غير تحفُّظٍ ولا احتياط، وقد وجد هذا العنف من نفس طه حسين قبولًا واستجابة، فلم يكد يأخذ في الكتابة حتى عرف -كما يقول: "بطول اللسان والإقدام على ألوان من النقد قلما كان الشباب يقدمون عليها في تلك الأيام", ومن ذلك يبين المذهب الأول الذي تمثَّله طه حسين في بيئة التكوين الصحفي، وهو "مذهب الغُلُوِّ والإسراف" الذي كان الشيخ جاويش يغريه به ويحرضه تحريضًا.. أما المذهب الآخر فهو "مذهب الاعتدال والقصد", ذلك الذي كان لطفي السيد يدعوه إليه ويزينه في قلبه, وقد وجدنا طه حسين يستجيب للمذهبين جميعًا "فإذا اقتصد في النقد نشر في الجريدة، وإذا غلا نشر في صحف الحزب الوطني".
وفي كتابنا عن "طه حسين وزال المجتمع التقليدي" تعرَّفنا على اتجاهاته في الاتصال بالجماهير، وعلى مهاراته في التبسيط والتفسير والنمذجة الصحفية، من خلال التَّعَرُّفِ على رؤياه الخاصة المتميزة للحياة، والتي وجدناها تقوم على رؤية عملية للحياة الواقعة، كان لها أثرها في توجيه مقاله الصحفي في اتجاهات الإصلاح الاجتماعي وتجديد العقل المصري وتغيير منهجه في البحث والدرس. ونشر المعرفة وتيسيرها للناس جميعًا، من خلال تواصل عملي يقوم على التجربة والمعايشة التي لم تتوفر لكثير من معاصريه, على الصورة التي تجمع بين الأزهر والسوربون، والمعاناة العملية في البحث عن الصواب في القضايا التي كانت