قصة فأضخعها لما ينبغي أن تخضع له القصة من أصول الفن كما رسمها كبار النقاد، فقد يجب لتستقيم القصة أن يحدَّد الزمان والمكان, وتستبين شخصية الناس الذين تحدَّث لهم الحوادث, أو الذين يحدثون هذه الحوادث، الذين تعرض لهم الخطوب, أو الذين يبتكرون هذه الخطوب"1.
ومن ذلك يبين إيثار طه حسين لقالب المقال القصصي، وتنكُّب القصة القصيرة، التي تخلت عن التعبير عن حالة القلق التي تطبع حياة مجموعة كبيرة من الناس في أواخر الثلاثينيات2، وتحدِث نوعًا من التوتر بينهم وبين المجتمع، لتصبح القصة تعبيرًا عن أحلام مبهمة بحياةٍ يمكن أن تشبع نوازع الفرد المشغول بنفسه دائمًا3، وكان لا بُدَّ من أداء وظائفه ككاتب صحفي يتمتع بالجرأة والثقة والهيبة التي لم تعف كتابه من المصادرة، وأن يسقط الحواجز الشكلية, وينفتح سبيل جديد واسع وممتد للتعبير عن "الشعب المغمور", وقد أصبحت كلمة الشعب هنا تعني الشعب كله فعلًا، فأي ثراء وأي حياة وأي خطر لهذا الفن الذي أوشك أن يتحوَّل إلى تسلية محضة4.
ومن أجل ذلك يصرِّح طه حسين بأنه لا يضع قصة فيخضعها لأصول الفن, يقول: "ولو كنت أضع قصة لما التزمت إخضاعها لهذه الأصول، لأني لا أومن بها ولا أذعن لها, ولا أعترف بأن للنقاد مهما يكونوا أن يرسموا لي القواعد والقوانين مهما تكن، ولا أقبل من القارئ مهما ترتفع منزلته أن يدخل بيني وبين ما أحب أن أسوق من الحديث، وإنما هو كلام يخطر لي فأمليه ثم أذيعه، فمن شاء أن يقرأه فليقرأه، ومن ضاق بقراءته فلينصرف عنه، ومن شاء أن يرضى عنه بعد فليرض مشكورًا، ومن شاء أن يسخط عليه بعد القراءة فليسخط مشكورًا أيضًا, والمهم هو أن يخطر لي الكلام وأن أمليه وأن أذيعه, وأن يجد القارئ ما يُشْعِرُه بأن له إرادةً حرة تستطيع أن تغريه بالقراءة وأن تصده عنها"5.
على أن هذا القالب القصصي في مقال طه حسين، ينبع من عناصر الأصالة والتجديد في رؤياه الفنية كذلك، لتمثُّله الآداب الشعبية في البيئة المصرية، إذ وسمت مقاله بميسمها، رغم اتجاهه إلى دراسة النصوص الفصيحة وحدها، فلم تكن إشارات عارضة إلى الآداب الشعبية، ولا على سبيل الاستشهاد، ولكنها كانت بمثابة توجيه النظر إلى الموازنة بينها وبين الأشكال الأدبية