الرسمية1. وكان طبيعيًّا أن يُكْبِرَ من شأن القالب القصصي الجديد باعتباره شكلًا ممتازًا من أشكال التعبير2، يتوسَّلُ به في مقاله الصحفي، يتوسط بين "آداب الخاصة والآداب الشعبية"3 ويؤدي المضمون الاجتماعي في صورة غير تقريرية، ولعلَّ في ذلك ما حدا بالدكتور عيَّاد4 إلى مقارنة "المعذَّبون في الأرض" من حيث تصوير حياة الواقع الاجتماعي المصري, والطبقة الدنيا فيه خاصة "بصور صياد" لتورجنيف الذي توسّل بقالب "الصورة"5؛ إذ لم يكن من المستطاع بالنسبة لحساسية الكاتب ولا لحساسية قرائه ولا لحساسية السلطات أن يعدو بشخصيات أولئك البؤساء طور "الملاحظة" إلى طور "الانطباع", أو إلى طور "الاندماج"، وكذلك كان على طه حسين أن يتجنَّب قالب القصة القصيرة ليجعل أبطاله ومشكلات أولئك الأبطال أشدّ اقتناعًا، من خلال قالب مقالي يتوسَّل به إلى "النمذجة" الصحفية التي تقوم مقام التجربة الفردية أو الجماعية، فيصبح النمط نموذجًا لشخص أو فكرة6، وليضع أمام المصريين جميعًا "أشياء من أولئك المعذَّبين في الأرض" توجد في كل فرد منهم، ووجد في "القصة الأدبية" قشرة صلبة صنعناها حول أنفسنا، تمنعنا من أن نجد أنفسنا فيهم، فكان عليه أن يحطِّمَ هذه القشرة بأسلوبه الساخر الملفوف -لنعلم كمصريين- أن فينا من نماذج "صالح" و"أم تمام" ومن نماذج المعذَّبين في هذه الأرض7.
وعلى ذلك، فإن المقال القصصي عند طه حسين قالب وظيفي يقوم على أداء وظائف المقال الصحفي متوسِّلًا بأدوات فنية نستخلص سماتها فيما يلي:
أ- النمذجة الصحفية في القالب القصصي:
وتقوم هذه النمذجة الصحفية على أساس انتزاع بعض الصفات وتحريرها من سياقها العام، ثم إبرازها وإلقاء الضوء عليها، مع إعطاء مغزى لها يميِّزُها وييسر فهمها. ومن الطبيعي أن تقوم هذه العملية على أساس التضحية بالتفاصيل، وعدم الاحتفاظ بالنسب الحقيقية في الشخصية الأصلية، من أجل خلق النموذج المبسَّط الذي يفهمه الناس8، ولعل في هذه الرؤيا الصحفية تفسيرًا لقول طه حسين: "والواقع أني حين أخذت في إملاء هذا الحديث لم أكن أعرف لهذا الصبي الثاني اسمًا, ومازلت أجهل اسمه إلى الآن, فلم يكن