يبين مما تَقَدَّمَ أن فنون المقال في صحافة طه حسين تسعى إلى تقديم المادة العلمية والفنية والاجتماعية والسياسية في قوالب مبسطة، تُيَسِّرُ الاتصال بجماهير القراء، وتؤدي الوظائف الاجتماعية للصحيفة الدورية، في تكامل مع المواد الأخرى التي تحيط القارئ علمًا بالأحداث, أو تفسر وتعلل ما يجري من هذه الأحداث، أو تنور عقله بمعلومات وحقائق.
والمقال القصصي في ضوء هذه الرؤيا الصحفية يخرج من دائرة الأدب، حين يوظَّفُ لأداء متطلبات الفن الصحفي من تنويع في المواد شكلًا ومضمونًا، في إطارٍ من الحاليّة والحيوية والاستجابة لاهتمامات القراء، وفي شكل مقاليٍّ أكثر مرونة من شكل المقامة؛ لأنه "يجعل الآثار الأدبية التي تقف في مكان ما بين القصة القصيرة والمقال كثيرة جدًّا"1.
على أن دراسة المقال القصصي عند طه حسين تقتضي أن نقف عند عدد من النماذج التي يستخدم فيها هذا القالب استخدامًا وظيفيًّا صحفيًّا، يقف من خلاله عن عمد في منطقة متوسطة بين شكل المقال وشكل القصة القصيرة, ومن هذه النماذج مقالات: "المعذَّبُون في الأرض" التي نُشِرَتْ في مجلة "الكاتب المصري"، كما تَقَدَّمَ2، والتي يعمد فيها إلى التوسُّل بالقالب القصصي في المقال، فيدخل فقرات يقصد إليها قصدًا، من الحديث المباشر بين الكاتب والقارئ؛ لأن غرض الكاتب من استخدام هذا القالب كان ماثلًا أمامه دائمًا وهو يكتب، وألحق بها مقالات صريحة لتأكيد هذا الغرض. الأمر الذي يجعله حريصًا على ألَّا يبدو لقرائه كاتب قصة قصيرة, بل إن هذه المقالات تحتوي على نقدٍ غير هيِّنِ الخطر لكُتَّاب القصة القصيرة، وأبى أن يسمي أي فصل من فصول "المعذبون في الأرض" -قصة, وكان يسمي الفصل "حديثًا", وربما سماه "مقالًا"، ولم يكتف بذلك حتى أعلن أنه لا يكتب قصة, وهزأ بما يعد "أصولًا" في كتابة القصة3, يقول4 ".. ولكني لا أحاول أن أضع