بالعربية الفصيحة، وعلمه بتقسيم المقاطع والفواصل في الكلام الأوربي "كما يتكلمه مَنْ يجمع بين الحديث والكتابة في وقت واحد"1.
الأمر الذي يجعل من أسلوبه مدرسة صحفية بهذا المعنى, تؤمن بقدرة اللغة العربية الفصيحة على سدِّ حاجات الصحافة, التي هي في الحقيقة نوع من الأدب الإقليمي أو الواقعي, ويتماز هذا الأسلوب الصحفي -عند طه حسين- بتقارب المستويات اللغوية العلمية والأدبية والعملية تقاربًا يشير إلى "أزهى العصور وأرقاها". الأمر الذي يفسِّر مقاومته للعامية التي ترتبط بالمجتمع المنحَلِّ المريض، والانفصام العقلي في المجتمع، واتجاهه إلى تطويع اللغة الفصيحة للمعاني والخواطر والآراء "دون أن يشق عليها أو يرهقها من أمرها عسرًا، أو ينحرف بها عن طريقها التي رسمتها لها طبيعتها ومزاجها"2.
ولعلَّنَا نستطيع أن نذهب إلى أن أسلوب طه حسين في مقاله الصحفي هو أسلوب البلاغة الجديدة، التي تجعل "الصحافة هي أعلى صور الأدب؛ لأن جميع ألوان الأدب العليا صحافة", كما يقول "برنارد شو"3. ذلك أن ممارسة الصحافة النظامية تعزِّزُ الصفتين المرغوب فيهما في الأسلوب، وهما الوضوح والقوة", وهذا الأسلوب عند طه حسين إلى جانب مقتضيات وسيلة الاتصال الصحفي بالجماهير، يأتلف من عنصرين؛ أحدهما: داخلي يأتيه من نفسه ومن طبيعة أمته وتراثها، والآخر: خارجي يأتيه من الثقافات الأجنبية التي اتصل بها، وأسلوبه الذي اختاره أوفق لذلك جميعًا, وأولها من نوعه في اللغة العربية، وليس فيه محاكاة لأسلوب آخر في اللغة الأوربية, فهو "أسلوب سَمْحٌ تَسْلَمُ الصفحة منه عند أول قراءة، فلا تشعر بالحاجة إلى أن تعود تستوحيها في سهولة ويسر على أصالته"4.