وعلى ذلك فإن معاملة طه حسين للغة الفنية معتمدًا على اللمس التشكيلي والسمع الموسيقي، معاملة تقوم على الوظيفة العقلية العملية، فهو حين يقول: البغاة الطغاة, يضني ويغني, يسوء وينوء, رائعة وبارعة, يائس وبائس, إلخ1, إنما يعامل الألفاظ معاملة تشكيلية2، على أن التشكيل هنا ليس مقصودًا لغاية جمالية في ذاتها، وإنما يريد به حلًّا لصياغة المعرفة بطريقة عقلية واقعية، تخدم التشكيل للنمذجة والتبسيط، كعملية حتمية لتنظيم التجارب الإنسانية العديدة, ومن شواهد ذلك مقال بعنوان: "أحجار"3 يبين فيه هذا التشكيل الوظيفي للألفاظ في النقد السياسي والاجتماعي والفوارق بين الطبقات, يقول طه حسين: "لست أدري أتحمد الوزارة لصحيفتها هذا التشبيه، الذي جعلها من الزمرد والماس والمرجان، أم تنقمه منها وتنكره عليها؟ أمَّا نحن فنقبل هذا التشبيه الذي يجعلنا حجارة صلبة لا سبيل إلى تحطيمها، عوجاء لا سبيل إلى تقويمها، ونؤكِّد أن هذه الصلابة التي أعيت كلَّ مَنْ حاول أن ينال منها إلى الآن, ستعيي كلَّ مَنْ يحاول أن ينال منها إلى آخر الدهر، وقد تحطَّمَت عليها قرون وتتحطم عليها قرون أخرى"4. ويوظف طه حسين إلى ذلك الأسرار الفنية في اللغة العربية في مقاله الصحفي, ومن هذا: التناقض والمقابلة في الوجوه والصفات والشخصيات والأحداث والمذاهب المشتقة من الواقع المحَسِّ, وهي المقابلة التي قد يعتمد عليها في عنوان المقال نفسه مثل: "جد وهزل"5, كما يعتمد عليها في الشعور واللفظ, وعلى السرعة والحركة النفسية والحركة الظاهرة، كما يوظِّفُهَا في الصورة والأسلوب، على النحو الذي نجده واضحًا تمام الوضوح في مقال بعنوان: "مصر بين النعيم والجحيم"6؛ حيث يوظِّفُ اللغة الفنية في نمذجة جانبين وبعدين وعمقين تتقابل فيهما المحسوسات والدلالات تقابل الأضداد الذي يزيد الخطوط حِدَّةً بين "أصحاب النعيم" و"أصحاب الجحيم", وهي الأضداد التي تنمذج الواقع المصري في نهاية الأمر.
ونخلص مما تَقَدَّمَ، إلى أن الأسلوب الصحفي في مقال طه حسين أسلوب سهل مُحَسٌّ، يستخدم التعبيرات المبسطة، كما يستخدم الصور بالأمثلة المحسوسة استخدامًا وظيفيًّا، يشمل اللغة الفنية بما فيها من تشكيل وتوازن موسيقى مقصودين، يوجه إلى القراء مباشرة في كثير من الأحيان، وهو أسلوب مصقول في نهاية الأمر، فصيح اللفظ سليم التركيب، يوافق علمه