كما يتمثَّل بآياتٍ من القرآن تمثلًا صريحًا يرتبط بالسياق العام للموقف الذي يكتب فيه المقال، كما نجد في مقاله عن ذكري سعد زغلول: "لحظة"1, حين يستهلَّه بهذه الآية:
"أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " صدق الله العظيم.
والموقف العام لهذا التمثل يبين من قوله بعد هذه الآية:
"فلما بلغ القارئ هذا الموضع من آيات الذكر الحكيم أمسك عن القراءة, وأذَّنَ مؤذِّنٌ في الناس أن الزمان قد استدار كهيئته حين أسلم سعد روحه إلى بارئه، فانضمَّت ألوفٌ جالسة إلى ألوف كانت واقفة، وقاموا جميعًا خاشعين قد اطمأنت قلوبهم بذكر الله، الذي كانت تُتْلَى عليهم آياتُه، وامتلأت نفوسهم بذكر سعد الذي اجتمعوا ليفوا له ببعض ما له عليهم من حق"2.
وهكذا لا ينفصل الأسلوب الثقافي في مقال طه حسين عن الأسلوب الواقعي؛ بحيث يرتبطان بعضهما البعض ارتباطًا لا ينفصم.. "وسياق الموقف لا غنى عنه لفهم الألفاظ" كما يقول مالينوفسكي, ذلك أن هذا الارتباط في نهاية الأمر ارتباط وظيفي، يوظِّفُ الأسلوب الثقافي للأسلوب الواقعي, ويوظِّفُ الأسلوبين بهدف النمذجة الصحفية، كما نجد في انتقاده للسياسة التعليمية في وزارة المعارف3:
"يقول المثل لا تجني من الشوك العنب, ولست أريد أن وزارة المعارف كلها شوك, ولكني أريد أن وزارة المعارف إن أرادت أن تصل بالتعليم إلى الخير, فمن الواجب عليها قبل كل شيء أن تضع من النظم وتؤلف من الإدرارات ما من شأنه أن يصلح التعليم.. إلخ"4. فالأسلوب الواقعي إذن في مقال طه حسين، فضلًا عن كونه أسلوبًا صحفيًّا، مصدر من مصادر البلاغة والقوة في هذا الأسلوب، لاعتماده على الواقع أساسًا في التعبير والتفكير, وصياغة الأحداث, والنظر إليها من ناحية دلالتها العملية وتفسيرها الاجتماعي، الأمر الذي يجعل المقال الصحفي في أدب طه حسين عملي التعبير، واقعي الاتجاه.