"ذيول"1 بعبارة من بيان الوفد، يسوقها في مقدمة المقال، ثم يُعَلِّقُ عليها في صلبه، ويقوِّمها في ضوء حركة الأحداث.

ومن ذلك أيضًا استشهاده بالفيلسوف الألماني "كانت" في مقال بعنوان: "دعابة"2, استشهادًا عمليًّا وظيفيًّا يخدم الفكرة السياسية في المقال.

"زعموا أن الفيلسوف الألماني العظيم "كنت" كان عَوَّدَ نفسه أن يخرج للرياضة كل يوم في ساعة معينة، لا يتقدَّمُ عنها ولا يتأخَّر، وكان أهل مدينته قد تعودوا منه ذلك، ولما رأوه ذات يوم قد قَدِمَ موعد خروجه للرياضة دهشوا واستيقنوا أن حدثًا خطيرًا قد ألمَّ بأهل الأرض، أو بنجوم السماء, ولم تمض أيام حتى عَرِفَ أهل المدينة أن الأمر قد كان كما قد رأوا، وأن اليوم الذي اضطرب فيه نظام الفيلسوف هو اليوم الذي شبَّت نار الثورة الفرنسية، واحتلَّ فيه الفرنسيون حصن الاستبداد والظلم الذي كان يقوم في باريس وهو الباستيل. وقد لاحظنا أمس خروج "الأهرام" عن طورها المألوف وخطتها المرسومة فيما بينها وبين الحكومة من صلة قوامها المودة والعطف، دون الخصومة والمعارضة, وقلنا كما قال مواطنوا الفيلسوف الألماني: "لأمر ما قدم الفيلسوف ساعة خروجه"! إلخ، ثم ينتقل إلى مناقشة الشواهد العملية المشتقة من حركة الأحداث, والتي أدَّت إلى خروج "الأهرام" عن طورها، و"اختارت من سهامها أمضاها وأنفذها وأكثرها سُمًّا، ثم رمت بها في صدر صديقتها الوزارة"3.

ومن ذلك يبين أن الأسلوب الواقعي في مقاله طه حسين يستدعي المثل أو العبارة أو الكلم المأثور أو الآية من القرآن، ويتمثَّلُها تمثلًا جديدًا، بحيث نلاحظ في كثير من الأحيان أن جملة طه حسين رغم واقعيتها قد تأخذ شظيةً من بيت شعري, أو كلمة مأثورة قديمة، ولكنها تضفي عليها من رؤياه، كما نجد في المقال المتقدِّم قوله: "ثم نثرت كنانتها بين يديها كما يقول الحجاج"4. ومن ذلك أيضًا تمثُّل الأسلوب القرآني في مقالٍ سياسي بعنوان: "تحقيق"5, حين يقول: "أيقظ أصحاب الكهف بعد أن لبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين، وازدادوا تسعًا، وهو يوقظ اليوم بعض النواب، بعد أن ناموا دهرًا طويلًا تميل الأرض من تحتهم، وتضطرب السماء من فوقهم، ويموج الناس من حولهم، وهو لا يرون، ولا يسمعون أو لا يأتون عمل الذين يرون أو يسمعون"6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015