فلقد تبيَّنَ من مطافنا الطويل في التعرُّف على فنِّ المقال الصحفي في أدب طه حسين، أنه يمثل طريقة تفكير ورؤيا خاصة متميزة للحياة، عند رجل لا يكاد يذكر اسمه إلّا ويقترن في ذهن السامع بلقب "عميد الأدب العربي"1، وهو لقبٌ له دلالته في تحديد الدور الكبير الذي قام به طه حسين في الصحافة المصرية الحديثة، التي أصبح من خلالها "زعيم المجددين" أو "زعيم المدرسة الحديثة"2، وهو في تاريخ تلك المدرسة الحديثة التجديدية، معلمها، "الفاهم، الغيور، القوي، المدافع3".
ولعلَّ في هذه الرؤية المتميزة، وفي هذا الدور الذي قام به طه حسين في نهضتنا الصحفية الحديثة، ما يلقي الضوء على تقدير المستشرقين لدوره، فيذهب الأستاذ "سبرنجلنج" عميد كلية الدراسات الشرقية بجامعة شيكاغو إلى أنه لم يظهر من عصر هوميروس إلى الآن من نَبَغَ نبوغ الدكتور طه حسين، كما يذهب المستشرق "برجشستراسر" عميد كلية الدراسات الشرقية بجامعة ميونخ من وراء إهداء أحد كتبه إلى الدكتور طه حسين، إلى أنه "فخر الأدب بمصر4". ذلك أن طه حسين في الصحافة المصرية، يشبه سقراط الذي لو كان حيًّا في زماننا لكان أنسب عمل يشتغل به هو أن يكون كاتب مقال صحفي ينشره في جريدة يومية، ويوقعه بإمضائه، كما يشبه الجاحظ الذي يذهب علماء الفن الصحفي5 إلى أنه جدير بأن يكون أول صحفي ممتاز لو أنه عاش في القرن الذي نعيش فيه، ذلك أن ثلاثتهم رجال شديدوا الانغماس في المجتمع يعبرون عنه في أسلوب عمليٍّ كاشف، على أن طه حسين في إطار عصره أكثر اتساقًا في مقاله الصحفي من حيث التفكير وفنية الأسلوب، وقد رأينا "ألبرت حوراني"6 يذهب إلى أن الأفكار التي نادى بها زعماء النهضة الحديثة قد بدأت تتبلور عند طه حسين، وأنها أثَّرَت على التفكير