فن السيره (صفحة 57)

وعلاقاتهم الاجتماعية. ولم ينم الميل إلى تبيان الحياة نفسها من حيث نموها ومضاعفاتها وملابساتها، حتى خيل للدارس أن هذه الغاية أصبحت وقفاً على القصة التاريخية. ويمكن أن نميز في ما يكتب من السير ثلاث مدارس: مدرسة ذات طابع أكاديمي تقوم دراستها على التشريح والتحليل والتدقيق في الاستنتاج بعد عرض المتناقض المضطرب من الروايات لاستخلاص الحقائق منها، وتحتاج هذه الدراسة قوة خارقة من النقد اللازم لكل من المؤرخ والأديب، وكثيراً ما تكون هذه الدراسة مخفقة لضعف ملكة النقد، فيجيء تاريخ الحياة روايات قد تكدس بعضها فوق بعض، وغرقت في أثنائها شخصية الدارس، وقد تخرج الدراسة في شكل مجادلات بيزنطية أكثرها رد على آراء قديمة، أو تهكم بأصحابها، ويصبح الشخص المترجم ظلاً باهتاً، لا تمد قوة من حياة، ولا تكشف عنه أصالة من نقد. أما التكوين والبناء الإيجابي، فهما ضعيفان في هذا النوع من الدراسة.

والمدرسة الثانية: مدرسة قديمة في طابعها، لا تؤمن بالدراسة النقدية قدر إيمانها بما قاله القدماء، ولذلك كانت عنايتها بالتراجم لا تتجاوز إعادة ما كتب من قبل، في بيان إنشائي مفكك وحماسة مفتعلة.

والمدرسة الثالثة هي التي تنتحل السيرة الأدبية أو شكلاً مقارباً لها، ولما كانت هذه المدرسة هي التي تتصل بهذا الكتاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015