فإني أحاول هنا أن أفردها بالحديث وأجلو بعض مميزاتها. والرابطة الجامعة لأصحاب هذا الاتجاه هي عنايتهم بالفرد وإنسانيته، على أساس من الجو التاريخي، في تطور حياته وشخصيته وتكاملها، وكل ما خرج عن هذا النطاق ابتعد عما نفهمه من معنى السيرة الفنية أو السيرة الأدبية، فحياة محمد لهيكل مثلاً أو كتاب " محمد علي الكبير " لشفيق غربال، لا يزالان أقرب إلى التاريخ، وإن زاد الأول على الثاني بجلبة الأسلوب ورنين التعبير. ومثل ذلك يقال أيضاً في كثير من هذه السير والتراجم التي لا تزال تعرض تاريخ فترة كاملة تحت اسم فرد واحد، ومن الخطأ أن يتناول النقاد هذه الكتب بالنقد مثلما يتناولون الأثر الفني، بل النقد إنما ينصب فيها على الرواية التاريخية، والإنصاف في الحكم، والقدر على التعليل.
ومن أبين المحاولات ذات الطابع الأدبي في السيرة الحديثة، " حياة الرافعي " للعريان، وعبقريات العقاد، وما يلحق بها من سير للمؤلف نفسه، و " جبران " لميخائيل نعيمه؛ و " منصور الأندلس " لعلي أدهم. وتتباين هذه السير فيما بينها، وتختلف في مدى اقترابها من الطريقة الأدبية في كتابة السيرة وفي مدى ابتعادها عنها.
أما " حياة الرافعي " للعريان فينقصه العنصر الهام الكبير الذي يجب أن تقوم عليه السيرة وهو التمشي مع حركة النمو والتطور في البناء؛ فقد جمع العريان فيه الفصول عن الرافعي جمعاً؛ وميز وحدد، فلم يرسم للرافعي صورة متدرجة مكتملة.