فن السيره (صفحة 42)

ولكنه أضاف إلى الصدق عنصر الحيوية، والانسياب في القص، وكان مندمجاً فيما يكتبه يبعث فيه الحركة والحياة والتنوع، وإثارة حب الاستطلاع والتشويق. وقد استغل كثيراً من هذه الخصائص النية، وبرع في استغلال كل خاصية في موضعها. ولم يتورط في الاستطراد بل كل ما أورده في تلك السيرة الضخمة يدور حول جونسون ويتعلق منه بسبب، ولم يخرجه حبه لجونسون عن الجادة أو يجعله عابداً في محراب أستاذه بل ذكر نقائصه وتوافهه جنباً إلى جنب مع مميزاته، فإذا جونسون في هذه السيرة إنسان تام الخلقة نراه وهو يتحدث ويأكل ويصلي ويضحك ويصخب ويشغب، ونعجب لشخصه بمعزل عن مقدرته الأدبية، ونضحك من بعض تصرفاته، ونندهش لكثير من آرائه ومواقفه وأخطائه. وأكبر الظن أن الفكاهة التي تثور في أنفسنا لم تكن غاية لبوزول، ولكن طريقة نقله لأطوار هذه الشخصية وأحوالها، تجعل المضحك مضحكاً في موضعه، وإن لم يتعمد بوزول ذلك. وليس يعنينا هنا أكان بوزول عبقرياً أم أن المصادفة وحدها؟ المصادفة التي جعلت جونسون موضوعاً لكتاب؟ وهي التي خلدت اسمه، وإنما الذي يعنينا أنه أحدث خطوة كبرى في تاريخ فن السيرة، وقد يؤخذ عليه أنه كان حقوداً خبيثاً يقول جونسون ما لم يقله، وينطقه باتهامات مصوبة إلى بعض رجال عصره، وإن الشكل العام مفقود في سيرته، وإنه حشد فيها الرسائل الكثيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015