فن السيره (صفحة 41)

وتلك الشهرة الأدبية هي التي جذبت بوزول، الذي لا يعرف في تاريخ الأدب إلا بإنه كتب سيرة جونسون. وكان بوزول كرفيقه الأكبر ذا شخصية مثقلة بأنواع الشذوذ؛ ويستطيع من يقرأ ما كتبه أن يلمح فيه نقائض كثيرة ليس أكبرها إدمانه السكر، ولا أقلها فقدانه للشعور بالعزة والكرامة. فكم من إهانة احتملها من أستاذه ورفيقه راضياً، وكم من مرة صرح بضعفه البشري في مواجهة الرذائل. وقد كانت صراحته عن نفسه تشير إلى مقدار ما تشبع به من ميل لذكر الحقائق مجردة دون زخرفة أو تزوير، وكذلك كان شأنه حين أصبح ظلا لجونسون يسجل عنه كل صغيرة وكبيرة بما في ذلك حركة اليد ورفع الصوت وانخفاضه؟ وقلما كان صوت جونسون يتضاءل خافتاً؟ ولون الثياب التي كان يحملها. وكان جونسون شغوفاً بالحديث يستطرفه ولا يمله، ويقضى الساعات الطوال بين أصحابه يحدثهم ويحدثونهن فنقل بوزول كل ذلك نقلاً دقيقاً، وابتعد عما كان يشيع في عصره من ميل إلى التعميم حين اختار هذا التدقيق، وبارح المجرد إلى المحسوس، وكان؟ كأستاذه وصديقه؟ يعتمد الصدق الخالص. إلا أنه فاق أستاذه وفاق كل من كتب في فن السيرة، في دقته المتناهية وواقعيته الفوتوغرافية، ونقله للصغائر والتوافه من أمور الحياة اليومية. ولو وقف بوزول عند هذا الحد لما كان في طريقته شيء غير نقل الحقائق مجردة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015