فإن كان الولد الذي غذاه والده ونشَّأه ورعاه من كسبه وماله، أفلا يقال إن
المصنفات من كسب مؤلفها؟ فهو الذي غذاها بفكره وقلبه، ورعاها حتى
اكتملت، وهجر لأجلها العيش المستريح، والمكاسب الدنيوية.
وهذا ليس من القياس وقد يقال، ولكنه من تنقيح المناط.
وما أحسن ما قيل: المصنفات ذرية العلماء.
5- دلّ صنيع أهل العلم المتقدمين على أن مصنفاتهم ملك لهم
أصلاً، وقد يخرجون هذا الملك إلى انتفاع الناس به، ولولا أنه ملك لهم
لما استجازوا أخذ مقابل لثمنه.
فهذا الحافظ أبو نعيم الأصبهاني بيع كتابه (الحلية) في حياته بنيسابور
بأربعمائة دينار، وما هذه قيمة ورق ونسخ، وهذا الحافظ ابن حجر
العسقلاني طلب ملوك الأطراف بوساطة علمائهم منه إرسال نسخة (من
كتابه..) فبيع بنحو ثلاث مائة دينار ذكره السخاوي 2 / 38. وما ذلك قيمة
ورق ونسخ، وأمثال هذا معروف مشهور كما تقدمت نظائره مبسوطة ولله
الحمد.
6- الكتب المصنفة في العلوم الشرعية من الأموال، والمال في الأصل
لصانعه أو مكتسبه، ولا يخصص هذا الأصل إلا بدليل صحيح صريح،
فلا ينتقل عن الأصل إلا بناقل متيقن.
7- إن القاعدة الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)
يمكن إجراؤها في هذه النازلة باعتبار أن المفسدة الحاصلة من ترك الكتب
الشرعية بلا حفظ لحق طبعها مفسدة في هذا الزمان، من جراء قلة أو عدم
الوازع الديني ومراقبة الله في نشر علوم الشريعة، وبثها للناس.