ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. رواه مسلم.
قال القاري في (مرقاة المفاتيح): القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين؛ فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف والقوي والضعيف اهـ.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله هذه المذاهب تفصيلا في (طريق الهجرتين) في فصل: (بيان ما للناس في دخول الشر في القضاء الإلهي من الطرق والأصول) فراجعه إن شئت. وكذلك تعرض لذلك في (شفاء العليل) في الباب الحادي والعشرين: (تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ودخوله في المقضي) ولتمام البحث يرجى الاطلاع على فصل (الأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية) من كتاب (مفتاح دار السعادة).
وأما ما يُثار من شبهات حول تشريع الذبح للأضاحي قربة لله وإنكاره فقد قال الرازي عند تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأنْعَامِ} قال: المسألة الثانية: قالت الثنوية: ذبح الحيوانات إيلام، والإيلام قبيح، والقبيح لا يرضى به الإله الرحيم الحكيم، فيمتنع أن يكون الذبح حلالاً مباحاً بحكم الله. قالوا: والذي يحقق ذلك أن هذه الحيوانات ليس لها قدرة عن الدفع عن أنفسها، ولا لها لسان تحتج على من قصد إيلامها، والإيلام قبيح إلا أن إيلام من بلغ في العجز والحيرة إلى هذا الحد أقبح. واعلم أن فرق المسلمين افترقوا فرقاً كثيرة بسبب هذه الشبهة، فقالت المكرمية: لا نسلم أن هذه الحيوانات تتألم عند الذبح، بل لعلّ الله تعالى يرفع ألم الذبح عنها. وهذا كالمكابرة في الضروريات. (قلتُ هذا الكلام من الرازي فيه نظر) وقالت المعتزلة: لا نسلم أن الإيلام قبيح مطلقاً، بل إنما يقبح إذا لم يكن مسبوقاً بجناية ولا ملحقاً بعوض، وهاهنا الله سبحانه يعوض هذه الحيوانات في الآخرة بأعواض شريفة، وحينئذ يخرج هذا الذبح عن أن يكون ظلماً، قالوا: والذي يدل على صحة ما قلناه ما تقرر في العقول أنه يحسن تحمل ألم الفصد والحجامة لطلب الصحة، فإذا حسن تحمل الألم القليل لأجل المنفعة العظيمة، فكذلك القول في الذبح. وقال أصحابنا: إن الإذن في ذبح الحيوانات تصرف من الله تعالى في ملكه، والمالك لا اعتراض عليه إذا تصرف في ملك نفسه. والمسألة طويلة مذكورة في علم الأصول. اهـ.
وقال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس): وَقَدْ ألقى إبليس إِلَى البراهمة ست شبهات ... الشبهة الخامسة: قالوا: قد جاءت الشرائع بأشياء ينفر منها العقل فكيف يجوز أن تكون صحيحة من ذلك إيلام الحيوان، والجواب: أن العقل ينكر إيلام الحيوان بعضه لبعض فأما إذا حكم الخالق بالإيلام لم يبق للعقل اعتراض، وبيان ذلك أن العقل قد