وهذا شيء يعرفه كل من عرف الله عز وجل من أهل الديانات وإن اختلفوا".

وحاصل القول هو أن ما اختاره ابن أبي جمرة من عدم وقوع العذاب على المُصلحين بل دفع الله بهم العذاب عن العاصين أقرب للصواب (ويُلحق بالمُصلحين المقيمين بينهم لموجب شرعي)، ويشهد لمذهب أبي جمرة أدلة كثيرة منها:

1 - تقييد الإهلاك العام في النصوص التي احتج بها المخالف بالسكوت عن الإنكار في أحاديث أخر، كما في حديث الترمذي الذي صححه هو وغيره، عن أبي بكر الصديق أنه قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه". وكما في حديث السفينة، وغيرهما.

2 - قول الله تعالى: "ولاتزر وازرة وزر أخرى" وقوله سبحانه "لايكلف الله نفساً إلا وسعها" وما في معناهما.

3 - عموم الأدلة في حفظ الله من حفظه، كحديث ابن عباس: يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، الحديث. قال ابن رجب: "وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان؛ أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله ... النوع الثاني من الحفظ وهو أشرف النوعين حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة ومن الشهوات المحرمة ويحفظ عليه دينه ثم موته فيتوفاه على الإيمان".

4 - النصوص الواردة في حفظ الله للقرى وأهلها الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، كقول الله تعالى: " فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ" [هود:116 - 117].

5 - نصوص الوعد بالسلامة والنجاة للأنبياء والمؤمنين إذا نزل العذاب، كما في قول الله تعالى: "فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ" [يونس: 102 - 103].

6 - إخبار الله عن إنجائه الذين ينهون عن المنكر ويدعون إلى المعروف في مواطن عديدة، إذا نزل العذاب، كشأن كثير من أنبياء الله ورسله وأتباعهم من المؤمنين، قال الله تعالى: "وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ" [هود:58]، "فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ " [هود:66]، "وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015