وقوعه- وإن لم يتعاطاه قوله تعالى: "فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ" [النساء:140]، ويستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار، ومن الظلمة، لأن الإقامة معهم -بلا موجب شرعي- من إلقاء النفس إلى التهلكة، هذا إذا لم يعنهم ولم يرض بأفعالهم، فإن أعان أو رضي فهو منهم، ويؤيده أمره صلى الله عليه وسلم بالإسراع في الخروج من ديار ثمود.

وأما بعثهم على أعمالهم فحكم عدل؛ لأن أعمالهم الصالحة إنما يجازون بها في الآخرة، وأما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء كان تكفيراً لما قدموه من عمل سيئ، فكان العذاب المُرسل في الدنيا على الذين ظلموا يتناول من كان معهم ولم يُنكر عليهم فكان ذلك جزاءً لهم على مداهنتهم، ثم يوم القيامة يُبعث كلٌ منهم فيُجازى بعمله.

وفي الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهي -بلا موجب شرعي-، فكيف بمن داهن، فكيف بمن رضي، فكيف بمن عاون؟ نسأل الله السلامة، قلتُ: فأتى كلامه أن أهل الطاعة لا يصيبهم العذاب في الدنيا بجريرة العصاة وإلى ذلك جنح القرطبي في التذكرة" اهـ.

ثم مال ابن حجر إلى أنه ليس من شرط إهلاكهم سكوتهم عن الإنكار فقال: "وما قدمناه قريباً أشبه بظاهر الحديث وإلى نحوه مال القاضي بن العربي".

ولعل هذا القول قريب من قول ابن قتيبة رحمه الله في تأويل مختلف الحديث:" فأما عقاب الله تعالى إذا هو أتى فيعم وينال المسيء والمحسن قال الله تعالى: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً" (الأنفال: من الآية25) [الأنفال:25] يريد أنها تعم فتصيب الظالم وغيره، وقال عز وجل: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا" (الروم: من الآية41) [الروم:41]. وقالت أم سلمة: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون، فقال: نعم إذا كثر الخبث، وقد تبين لهم أن الله تعالى غرق أمة نوح عليه السلام كلها وفيهم الأطفال والبهائم بذنوب البالغين وأهلك قوم عاد بالريح العقيم وثمود بالصاعقة وقوم لوط بالحجارة ومسخ أصحاب السبت قردة وخنازير وعذب بعذابهم الأطفال، قال أنس بن مالك: إن الضب في جحره ليموت هزلاً بذنب ابن آدم، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مُضر، فقال:"اللهم اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف" فتتابعت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين، حتى أكلوا القد والعظام .. فنال ذلك الجدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ..... "إلخ.

ثم عقب رحمه الله بكلمة تسطر بماء الذهب، رأى صوابها كل من له عينين، فقال: " وقد رأينا بعيوننا ما أغنى عن الأخبار، فكم من بلد فيه الصالحون والأبرار، والأطفال والصغار، أصابته الرجفة، فهلك به البر والفاجر، والمسيء والمحسن، والطفل والكبير؛ كقومس ومهرجان وقذق والري ومدن كثيرة من مدن الشام واليمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015