من مآثره مَا لَيْسَ طول الدَّهْر بنائم وَقد سَمِعت مَا كَانَ من الفتيان العامرية مُجَاهِد وَمُنْذِر وخيران وَسمعت عَن الْمُلُوك الْعَرَبيَّة بنوعباد وبنوصمادح وَبَنُو الافطس وَبَنُو ذِي النُّون وَبَنُو هود كل مِنْهُم قد خلد فِيهِ من الامداح مَا لَو مدح بِهِ اللَّيْل لصار اضوأ من الصَّباح وَلم تزل الشُّعَرَاء تتهادي بَينهم تهادى النواسم بَين الرياض وتفتك فِي اموالهم فتكة البراض حَتَّى ان أحد شعرائهم بلغ بِهِ مَا رَآهُ من منافستهم فِي امداحه ان حلف ان لَا يمدح أحدا مِنْهُم بقصيدة الا بِمِائَة دِينَار وان المعتضد بن عباد على مَا اشْتهر من سطوته وإفراط هيبته كلفه ان يمدحه بقصيدة فَأبى حَتَّى يُعْطِيهِ مَا شَرطه فِي قسمه
وَمن أعظم مَا يحْكى من المكارم الَّتِي لم نسْمع لَهَا أُخْتا ان ابا غَالب اللّغَوِيّ الف كتابا فبذل لَهُ مُجَاهِد العامري ملك دانية الف دِينَار ومركوبا وكسا على ان يَجْعَل الْكتاب باسمه فَلم يقبل ذَلِك ابو غَالب وَقَالَ كتاب الفته لينْتَفع بِهِ النَّاس وأخلد فِيهِ همتي اجْعَل فِي صَدره اسْم غيرى واصرف الْفَخر لَهُ لَا افْعَل ذَلِك فَلَمَّا بلغ هَذَا مُجَاهدًا اسْتحْسنَ انفته وهمته واضعف لَهُ الْعَطاء وَقَالَ هُوَ فِي حل من ان يذكرنِي فِيهِ لَا نصده عَن غَرَضه وان كَانَ كل مُلُوك الأندلس المعروفين بملوك الطوائف قد تنازعوا فِي ملاءة الْحَضَر فَإِنِّي أخص مِنْهُم بني عباد كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {فيهمَا فَاكِهَة ونخل ورمان} فَإِن الْأَيَّام لم تزل بهم كاعياد وَكَانَ لَهُم من الحنو على الادب مَا لم يقم بِهِ بَنو حمدَان فِي حلب وَكَانُوا هم وبنوهم ووزراؤهم صدرُوا فِي بلاغتي النّظم والنثر مشاركين فِي فنون الْعلم وآثارهم مَذْكُورَة وأخبارهم مَشْهُورَة وَقد خلدوا من المكارم التَّامَّة مَا هومتردد فِي ألسن الْخَاصَّة والعامة وَبِاللَّهِ إِلَّا سميت لي بِمن تفخرون قبل هَذِه الدعْوَة المهدية ابسقموت الْحَاجِب ام بِصَالح البرغواطي ام بِيُوسُف بن تاشفين الَّذِي لَوْلَا توَسط ابْن عباد لشعراء الأندلس فِي