وَلم تزل مُلُوكهمْ فِي الاتساق كَمَا قيل
(ان الْخلَافَة فِيكُم لم تزل نسقا ... كالعقد منظومة فِيهِ فرائده)
إِلَى ان حكم الله بنثر سلكهم وَذَهَاب ملكهم فَذَهَبُوا وَذَهَبت أخبارهم ودرسوا ودرست آثَارهم
(جمال ذِي الأَرْض كَانُوا فِي الْحَيَاة وهم ... بعد الْمَمَات جمال الْكتب وَالسير)
فكم مكرمَة انالوها وَكم عَثْرَة اقالوها
(وَإِنَّمَا الْمَرْء حَدِيث بعده ... فَكُن حَدِيثا حسنا لمن وعى)
وَكَانَ من حَسَنَات ملكهم الْمَنْصُور بن أبي عَامر وَمَا ادراك الَّذِي بلغ فِي بِلَاد النَّصَارَى غازيا إِلَى الْبَحْر الْأَخْضَر وَلم يتْرك اسيرا فِي بِلَادهمْ من الْمُسلمين وَلم يبرح فِي جَيش الهرقل وعزمة الاسكندر وَلما قضى نحبه كتب على قَبره
(آثاره تنبيك عَن أَوْصَافه ... حَتَّى كَأَنَّك بالعيان ترَاهُ)
(تالله لَا يَأْتِي الزَّمَان بِمثلِهِ ... ابدا وَلَا يحمي الثغور سواهُ)
وَقد قيل فِيهِ من الأمداح وَألف لَهُ من الْكتب مَا سَمِعت وَعلمت حَتَّى قصد من بَغْدَاد وَعم خَيره وشره اقاصي الْبِلَاد وَلما ثار بعد انتثار هَذَا النظام مُلُوك الطوائف وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَاد وَكَانَ فِي تفرقهم اجْتِمَاع على النعم لفضلاء الْعباد إِذْ نفقوا سوق الْعُلُوم وتباروا فِي المثوبة على المنثور والمنظوم فَمَا كَانَ اعظم مباهاتهم إِلَّا قَول الْعَالم الْفُلَانِيّ عِنْد الْملك الْفُلَانِيّ والشاعر الْفُلَانِيّ مُخْتَصّ بِالْملكِ الْفُلَانِيّ وَلَيْسَ مِنْهُم إِلَّا من بذل وَسعه فِي المكارم ونبهت الإمداح