ويكره الأكل والشرب مضطجعاً، قال الغزالي: إلا ما ينتقل به من الحبوب لأنه قد روي عن علي كرم الله وجهه أنه أكل كعكاً على ترس وهو مضطجع ويقال: منبطحاً على ظهره. والشرب منبطحاً مكروه للمعدة. قال الرافعي: ولا يكره الشرب قائماً، وحملوا النهي الوارد على حالة السير قال النووي وقد تأوله آخرون على خلاف. هذا والمختار أن الشرب قائماً بلا عذر خلاف الأولى للأحاديث الصحيحة بالنهي عنه في صحيح مسلم، وكذا في البخاري. وأما الحديثان عن علي وأبن عباس فمحمولان على بيان الجواز جمعاً بين الأحاديث، انتهى. قال الأذرعي: وهذا ما يتعين المصير إليه. وقال أبن العماد في الصحيح: النهي عن الشرب قائماً، وأمر من نسي فشرب قائماً بالاستقاء. واختلفوا في النهي فقيل: هو عام في كل أكل. وقال أبن قتيبة وغيره: هو مخصوص بحالة السير لأجل العجلة، وعدم التأني فيه. أما إذا شرب يدل على أن فيه ضرب من جهة الطب وحينئذ فالكراهة إرشادية والنهي نهي إرشاد، أي راجعاً إلى مصلحة دنيوية لا دينية. انتهى. وقال العيني في شرح الكنز: يكره الشرب قائماً إلا في موضعين أحدهما عقيب الوضوء، وثانيهما عند الشرب من بئر زمزم. انتهى. وأما الأكل قائماً فقال أنس رضي الله عنه: هو أبشع من الشرب قائماً وكرهه. قال النووي وكذا الغزالي: والمختار الإباحة لقول أبن عمر رضي الله عنهما: " كنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نأكل ونمشي ونشرب ونحن قيام ". قال الغزالي: والجمع بينهما أن الأكل في السوق تواضع وترك تكلف من بعض الناس فهو حسن، وخرق مروءة من بعضهم فهو مكروه، وبهذا فهموا أن الكراهة إرشادية لا دينية في الأكل والشرب انتهى. قال النووي في فتاويه: وأما الأكل قائماً فإن كان لحاجة فجائز وإن كان لغير حاجة فهو خلاف الأفضل ولا يقال إنه مكروه. وثبت في صحيح البخاري من رواية أبن عمر أنهم كانوا يفعلونه، وهذا يقدم على ما في صحيح مسلم عن أنس أنه كرهه. انتهى. ثم قال فيها: وهل يكره الكرع في الماء وهو الشرب بالفم من غير عذر في اليد؟ الجواب لا يكره ويجوز. وفي صحيح البخاري فيه حديث حسن.
كما يجوز أكل اللحم نيئاً.
وقال الغزالي: ويأكل من استدارة الرغيف إلا إذا قل الخبز فيكسره ولا يقطعه بالسكين، ولا يقطع اللحم. ولا يوضع على الخبز إلا ما يؤكل منه، ولا يمسح يده بالخبز، ويستحب أن يصغر اللقمة ويطيل مضغها، ولا يمد يده إلى أخرى ما لم يبلعها، ولا ينفخ في الطعام الحار، ولا يجمع بين التمر والنوى في طبق، وقد روى أبو بكر الشيرازي في كتاب الألقاب من طريق جعفر وهو الصادق عن أبيه عن علي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تلقى النواة على الطبق الذي يؤكل منه الرطب أو التمر ". وقال أبن العماد ينبغي أن لا يخلط نوى ما أكل بما لم يؤكل، وكذا الرمان وسائر ما له قشر كالقصب ونحوه. انتهى. وقال أبن الملقن: ولا يترك ما أسترذله من الطعام في القصعة، بل يجعله مع التفل لئلا يلتبس على غيره فيأكله. ولا يغمس اللقمة الدسمة في الخل، ولا الخل في الدسمة.
وإن قلل رفيقه الأكل نشطه، ولا يزيد في قوله كل على ثلاث مرات. قال الغزالي: وأما الحلف عليه بالأكل فممنوع. انتهى كلام أبن الملقن. وقال أبن العماد: قال الحسن ين علي بن أبي طالب: " الطعام أهون من أن يحلف عليه ". فينبغي لداعي الضيف أن لا يقسم عليه بالله، بل يتلطف بقوله: " ائته "، " تخير "، ونحو ذلك. وإذا رآه مقصراً في الأكل كرر عليه العزيمة ثلاثاً وهذا الذي روي عن الحسن قد روي عن أبن عباس ما يخالفه فإنه قال: " لكل قادم دهشة فابدؤوه بالسلام، ولكل آكل حشمة فابدؤوه باليمين " ذكره أبن السيد في شرح أدب الكاتب انتهى. ولا يقوم حتى ترفع المائدة، ولا يبتدئ بالطعام ومعه من يستحق التقديم إلا أن يكون هو المتبوع.