ولا يشرب في أثناء الطعام إلا لضرورة بأن يغص بلقمة فليشربه للحاجة. قال في الإحياء: وإذا صدق عطشه فإنه يستحب الشرب حينئذ من جهة الطب، يقال: أنه دباغ المعدة، وورد النهي عن الشرب في من ثلمة القدح، ويكره الشرب من فم القربة؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فمها لأنه قد يخرج من داخلها ما ينغص الشرب من قشر ونحوه، ولأنه يغير رائحة فمها، ولآنه يملأ البطن ريحاً، كما قاله أبن الجوزي في طبه. وينبغي ألا يشرب الإنسان الماء حتى يتحادر الطعام من البطن الأعلى. ثم أنظر ما يرويك فأشرب ألطفه، فذلك أصلح لبدنك وأقوى لمعدتك وأهضم لطعامك، فإن الأكثارمن الماء البارد يبرد ويرطب ويعف الحرارة الغريزية، والعطش ينحف الجسم ويظلم البصر. وإياك وشرب الماء على الريق عند الانتباه من النوم من الليل وقبل الطعام فإن ذلك يطفئ نار المعدة، ويطفوا على الطعام. ومن شرب الماء بعد البقول فهو على خطر من الحبوب والتواليل. وليحذر الماء البارد عقب الفواكه والحلوى والطعام الحار والحمام والرياضة، وشرب الماء الحار عقيب الأشياء المالحة. ولا ينبغي للعطشان أن يشرب الماء الكثير فأنه يهلكه، ولا الماء الشديد البرودة فإنه يميت الحرارة الطبيعية التي أضعفها العطش، وإنما ينبغي أن يمص القليل منه ويصبر، ثم يمص القليل. ويستحب إدارة المشروب عن يمين المبتدأ بالشراب. قال الدميري ويكون الساقي آخرهم شرباً. انتهى.
وينبغي أن يستعمل الششني أولاً. وقال في المختار للحنفية: ويحرم الأكل فوق الشبع إلا إذا قصد التقوى على صوم الغد أو لئلا يستحيي الضيف. انتهى. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ويحرم عليه لو كان الطعام قليلاً أن يأكل لقماً كباراً مسرعاً في مضغها وابتلاعها حتى يومنا يحرم أصحابه. انتهى.
ولا يكره غسل اليد بالأشنان وإن كان محدثاً. قال الدميري: ولا بالنخالة ونحوها؛ ففي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أن تجعل في الماء ملحاً ثم يغسل به الدم. انتهى. قال الغزالي: وكيفية أن يغسل الأصابع الثلاث من اليمين أولاً ويضرب بأصابعه على الأشنان اليابس فيمسح به شفتيه. ولا يكره الغسل في الطست، وله أن يتنخم فيه إن كان وحده، وأن يقدم المتبوع، وأن يكون الخادم قادماً. ويصب صاحب المنزل الماء على يدي ضيفه كما فعل الإمام مالك ذلك مع الشافعي في أول نزوله عليه، وقال له: " لا يرعك ما رأيت مني " حتى قيل: إن خدمة المضيف فرض، ولا يبعد أن يكون هذا من كلام مالك.
ومن أدب الأكل في آخره وكذا الشرب أن يقول: " الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ". ثبت ذلك في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله، وقد جاءت في هذا أذكار كثيرة فلتطلب في كتاب الأذكار للنووي وتهذيبه لأبن أرسلان ونحوهما. وقوله ربنا يجوز بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وبالنصب على الاختصاص والنداء، وبالجر على البدلية من قوله الحمد لله. وروينا هذا الحديث في الغيلانيات من حديث أبي هريرة بغير هذا اللفظ وهو: " دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فانطلقنا معه، فلما طعم وغسل يده - أو قال يديه - قال: الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم، من علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن ابلانا، الحمد لله غير مودع ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلال، وبصر من العمى، وفضلني على كثير من خلقه تفضيلا ".