وصرح الماوردي بتحري الزيادة على الشبع، وأنه لو زاد لم يضمن. وقال أبن عبد السلام: إذا أكل الضيف فوق شبعه لا يحرم عليه إلا من جهة أنه مؤذ لمنهاجه، مضيع لما أفسده من الطعام. نعم إن كان ما يأكله قدر عشرة، وصاحب الطعام لا يشعر بذلك، فلا يجوز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف، في مقدار الأكل لانتفاء الأدب اللفظي والعرفي، ولأن العادة الفاشية عن الترفه والشره إذا جرى عليها الآدمي استهوته واستعبدته وتملكته، فالحزم قطعها وتركها ومخالفتها. فأما العادة التي إعتادها المسلمون ورأوها حسنة فهي عند الله حسنة، كما قال عبد الله بن مسعود في الحديث الموقوف عليه: " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن " كما قال تعالى: (ليَسْتَأْذِنْكُم الَّذِيْنَ مَلَكَتْ) إلى قوله: (ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ، فأمر الله تعالى بالاستئذان في هذه الأوقات التي جرت العادة فيها بالابتذال ووضع الثياب ما يبنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه، واعتبر نومهم الذي يألفونه، وكذلك جرى تقديم الطعام إلى الضيفان على ما جرت بع العادة في إباحة الأكل منه للضيفان، تنزيلاً للدلالة العقلية منزلة الدلالة القولية.
ولا يتصرف الضيف في الطعام بما سوى الأكل المأذون فيه عرفاً، فلا يطعم السائل والهرة ولا يبيعه ولا يهبه ولا يحمل شيئاً معه. وقيل إن قلنا بملكه بالتناول جاز، حكاه في البيان. ويستثنى تلقيم الأضياف بعضهم بعضاً، إلا إذا فاوت بينهم في الإطعام، فليس لمن خص بنوع أن يطعموا منه غيرهم، ويكره للضيف أن يفعل ذلك.
ويجلس الضيف على ركبتيه، لما في الحديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جثا على ركبتيه للأكل وجلس على رجليه ". وله أن يقعد مستوفزاً لما روي " أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قعد على طعام استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى ثم قال: إنما أنا عبد آكل ما يأكل العبد، وأفعل ما يفعل العبد ". رواهما أبو الحسن المقدسي في السابل.
ومن أدب الضيف أن لا يخرج إلا برضى صاحب المنزل وإذنه، ومن أدب المضيف أن يشيعه عند خروجه إلى باب الدار، فهو سنّة. وينبغي للضيف أن لا يجلس مقابلة حجرة النساء وسترهن، ولا يكثر النظر إلى الموضع الذي يخرج منه الطعام. وإذا حضر المدعوون وتأخر واحد أو اثنان عن الوقت الموعود، فحق الحاضرين في التعجيل أولى من حقهما في التأخير، إلا أن يكون المؤخر فقيراً ينكسر قلبه بذلك فلا بأس به.
ويستحب الجنب والمحدث التطهير عند الأكل فإن فقد الماء تيمم.
وينبغي أن تقدم الفاكهة إن كانت، لسرعة انهضامها، ويكره أكل ما لم يطب أكله من الفاكهة، ثم اللحم ثم، الحلاوة، ويستحب أن يكون على المائدة البقل وقد ورد في حديث مرفوع من طريق أبي أمامة: " خضروا موائدكم بالبقل فإنه مطردة للشيطان ". وإذا دخل ضيف البيت فليعرفه رب الدار عند دخوله القبلة وبيت الخلاء وموضع الوضوء، ويستحب أن ينوي بأكله وشربه التقوي على الطاعة، وأن يكون باليمين إلا لعذر. قال الغزالي ويبدأ بالملح ونحوه، قال علي بن أبي طالب رضي الله: " من ابتدأ غداؤه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعاً من البلاء " ويستحب الختم بالملح أيضاً.
ولا يكره الأكل على المائدة وإن كانت بدعة فلم يكن عليه الصلاة والسلام يأكل إلا على سفرة. قال الحريري وأبن الجوزي: والعامة تقول المائدة للخوان، ولا يكون مائدة إلا إذا كان عليه طعام وإلا فهو خوان. انتهى.