حكم إجابة الدعوة والنصيحة للمسلم:

ويستفاد من هذا الحديث: أنه إذا دعاك أخوك المسلم فإنك تجيب، وهل هذا على سبيل الوجوب؟ نقول: أكثر العلماء يرى أنه ليس على سبيل الوجوب إلا فى وليمة العُرس أول مرة، واختار بعض العلماء أن ذلك على سبيل الوجوب لظاهر الأمر، ولظاهر كونه حقًا، وإنما قلنا في السلام إنه على سبيل الاستحباب لوجود أدلة تدل على أنه ليس للوجوب.

والأظهر أن الإجابة ليست واجبة إلا في وليمة العُرس، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال فيها: «ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله»، وظاهر الحديث: الوجوب مطلقًا لكنه يجب أن يقيد بما دلت عليه النصوص منها:

أولا: ألا تعلم أنه دعاك إلى وليمة محرمة، كما لو عرفت أن هذا قاطع طريق يسرق أموال الناس ثم يدعوهم إليها فهذا لا تجبه ويحرم عليك إجابته.

ثانيًا: ألا تعلم أن في الدعوة منكرًا، فإن علمت أن في الدعوة منكرا نظرنا إن كنت تستطيع أن تزيله وجب عليك الحضور لسببين هما: إجابة الدعوة إذا قلنا بالوجوب، والثاني: إزالة المنكر، وإن كنت لا تقدر حرم عليك الإجابة؛ لأنك لو أجبت إلى دعوة فيها منكر لا تستطيع إزالته وجلست معهم كنت شريكهم في الإثم بدليل قوله تعالى: {وَقَدْ نزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} [النساء: 140].

وظاهر الحديث «إذا دعاك فأجبه»، أنه لا فرق بين أن يكون الداعي كبيراً أو صغيرًا ما دام يصح أن يتصرف، فإذا دعاك إنسان مراهق - يعني: قد بلغ وتصرفه صحيح - فأجبه ولا مانع، وإذا دعاك باسم أبيه فهل تجبه ولو كان صغيرًا؟ نعم؛ لأنه نائب عن أبيه وكثيرًا ما يرسل الإنسان أولاده الصغار إلى جيرانه أو أصحابه ويقول: تفضلوا مثلاً.

ومن فوائد الحديث: وجوب نصيحته إذا استنصحك، يعني: إن طلب منك النصح بمشورة أو غير مشورة وجب عليك أن تنصح له، يعني: أن تذكر له ما هو الأكمل والأفضل، فإن تساوى عندك أمران أحدهما فاضل، والثاني أفضل، فالواجب أن تنصح بالأفضل، لا تقصر على أدنى شيء، الواجب أن تنصح بالأفضل، إذا لم يستنصحك بقوله ولكن استنصحك بفعله بأن تعلم أن الرجل سيقدم على أمر يضره حاضراً أو مستقبلاً وأنت تعلم هذا وتعلم أنه يفرح إذا أهديت إليه النصيحة، فهنا تجب النصيحة؛ لأن هذا وإن لم يستنصحك بالقول فإنه قد استنصحك بالفعل، إذا استنصحك فى أمر وأنت لا تعرف هذا الأمر فهل تتحيط وتقول: أظن لو فعلت كذا لكان كذا، أو يجب عليك أن تتوقف؟ الواجب أن تتوقف؛ لأن هذا مقتضى النصيحة، إذ قد تنصحه بشيء يكون ضررا عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015