يعني: ما لم يكن لها معنى خاص زائد على مدلولها المطلق، هذا معنى قوله، لابد أن يكون هناك سبب لكونها ابتدئ بها وهي نكرة، وإلا فالأصل أنه لا يصح، لو قلت: رجل قائم ما يصح، لكن إذا كان هناك شيء يقيد هذا الإطلاق فإنه يصح، لو قلت: رجل فاضل قائم صح، إذن الجواب: أنه يجوز الابتداء بالنكرة، متى؟ إذا أفادت، وهنا فيها فائدة تقسيم: "ثلاثة لا يكلمهم"، ولا شك أن التقسيم فائدة، ومنه قول الشاعر: [المتقارب]
(فيوم علينا ويوم لنا ... ويون نساء ويوم نسر)
ومثل هذا التركيب لا يدل على الحصر، أي: أنه لا يوجد سوى هؤلاء؛ لأنه يوجد سوى هؤلاء كثيرون، يقول: "لا يكلمهم الله يوم القيامة"، أي: كلام رضا، لكن قد يكلمهم كلام غضب كما في قوله تعالى: {قال اخسئوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108]. وكلام الغضب ليس بشيء بل عدمه خير من وجوده، إذن "لا يكلمهم" كلام رضا، "ولا ينظر إليهم" كذلك نظر رحمة ورضا، أما النظر العام فهو عز وجل لا يخفي عليه شيء، كل شيء يراه -سبحانه وتعالى-، "ولا يزكيهم"، أي: لا يطهرهم؛ لأنهم ليسوا أهلا للتزكية، "ولهم عذاب أليم"، بالإضافة إلى ذلك لهم عذاب أليم، بمعنى: مؤلم، ففعيل هنا بمعنى: مفعل، ويوجد بيت مشهور وهو قول الشاعر: [الوافر]
(أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع)
السميع بمعنى المسمع، يعني: هل هناك داع يسمعني.
الأول: "رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه من ابن السبيل"، أي: عنده ماء زائد عن حاجته في فلاة يمنعه من ابن السبيل، يأتي ابن السبيل محتاجا إلى الماء فيقول له: هذا ممنوع، لا تأخذ منه، لا تشرب منه، مع أنه زائد عن الحاجة ليس محتاجا إليه.
والثاني: "رجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك"، هذا المنفق سلعته بالحلف الكاذب، لكن جاء في حديث أبي ذر على وجه الإطلاق، وجاء هنا مقيدا بما بعد العصر، حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» قالها ثلاثة، قال أبو ذر: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ قال: «المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب».