الشاهد قوله: "المنفق سلعته بالحلف الكاذب"، فهنا أطلق أن كل من كذب في سلعته فإن له هذه العقوبة، لكن يمكن أن نقول: هذا مطلق ويقيد بما في هذا الحديث، وهذا الحديث قيد الإطلاق من وجهين: أنه بعد العصر، وأنه حلف أنه أعطى بها كذا وهو لم يعطه، كما قيدنا قوله: "المسبل" بأنه إذا كان مسبلا ثوبه خيلاء.
"رجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لآخذها بكذا" من الحالف؟ البائع، "لأخذها" أي: اشترها بكذا، وقوله: "لأخذها" اللام الواقعة في جواب القسم، وحذف منها "قد"، وإلا فالأصل: "لقد"، لكن حذفت لقرب الجواب من القسم، "لأخذها بكذا وكذا" كناية عن عدد معين، "فصدقه" أي: المشتري؛ لأن المشتري رجل سليم القلب يظن أن الناس على صدق، وهو على غير ذلك، بكم سيأخذها المشتري؟ قد يأخذها بثمنها وقد يكون أكثر، المهم سوف يعتقد المشتري أنه لن يبيعها بأقل.
والثالث: "رجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا"، "بايع" أي: عاهده، وسميت المعاهدة المبايعة؛ لأن كل منهما يمد باعه إلى الآخر ليأخذ بيده، فيمد يده فيقول: أبايعك على كذا وكذا، فهذا بائع إماما على السمع والطاعة، ولكن إنا فعل ذلك لأجل الدنيا، إن أعطى من الدنيا وفى وإن لم يعط منها لم يف وتمرد وخالف وعصى هذا من الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، الشاهد من هذا الحديث قوله: "رجل بايع".
ففي هذا الحديث فوائد أصولية وفقهية جمة: منها: إثبات أن الله -سبحانه وتعالى- يكلم، ووجه الدلالة: أن الله نفى الكلام عن هؤلاء الثلاثة، ولولا أنه يكلم من سواهم ما كان [لتخصيصهم بعدم الكلام] فائدة، وكلامه -سبحانه وتعالى- بالحرف والصوت، فهو عز وجل يقول قولا مسوعا، وهذا شيء متواتر متفق عليه بين السلف، دل عليه الكتاب والسنة يقول الله عز وجل: {ونادينها من جانب الطور الأيمن وقربناه يحيا} [مريم: 52]. لما كان بعيدا ناده الله مناداة؛ لأن البعيد يحتاج إلى رفع الصوت، والنداء: هو المخاطبة برفع الصوت، ولما قرب صارت مناجاة؛ يعني: بصوت أدنى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله -سبحانه وتعالى- يقول يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك»، الجواب: من من؟ من آدم «فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار»، «فينادى -الفاعل الله عز وجل بصوت: إن الله يأمرك»، هذا الحديث واضح ينادي بصوت وقد حرفه بعض أهل التعطيل، وقال: إن الصواب: "فينادى بصوت إن الله يأمرك" من أجل أن