عن العداوة والبغضاء وأسلم من شماتة الأعداء، فمتى أمكن الصلح فإنه لا ينبغي الترافع إلى الحاكم ولكن:
(وإن لم يكن إلا الأسنة مركب ... فما حيلة المضطر إلا ركوبها)
إذا كان ولابد فلابد أن يختصم الناس.
ومن فوائد الحديث: أن الصحابة -رضي الله عنهم- لا يعدون في التخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً؛ يعني: لا يختصمون إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس، إنما تنتهي الخصومة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هو مرجع الأمة في الخصومة فورثته مرجع الأمة في الخصومة أيضاً وهم العلماء، ولهذا لابد أن يكون القاضي عالماً بالشريعة.
ومن فوائد الحديث: أن الناس يختلفون في التعبير عما في قلوبهم لقوله: "فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض"، وهذا شيء مشاهد، حتى مؤلفات العلماء تجد أن بينها فرقاً في الوضوح والانسياب والمعنى واحد، وإذا شئت فقارن بين أسلوب ابن القيم رحمه الله في مؤلفاته، وأسلوب شيخه رحمه الله تجد الفرق العظيم بينهما ولهذا قال بعضهم: ابن تيمية يطبخ، وابن القيم يقدم الطعام؛ لأن حقيقة الأمر أن كثيراً من كلام ابن القيم هو كلام شيخ الإسلام تماماً، لاسيما في مسائل العقائد، وكذلك أيضاً في مسائل الترجيحات عندما يتكلم على مسألة ويرجحها، لكن تجد الفرق، شيخ الإسلام كلامه جزل وفحل ولا يدركه إلا من تمرن عليه في الغالب، وقد يكون سهلاً، وأضرب لكم مثلا وإن كنا قد خرجنا [عن الشرح]: له كتاب "الرد على المنطقيين" وهذا صعب جدا، وله كتاب "نقد المنطق" أقل منه حجماً لكن أكثر منه فائدة؛ لأنه مرتب ومنسق، حتى إن طالب العلم المبتدئ يفهمه، والمؤلف واحد.
على كل حال: الناس يختلفون في التعبير عما في قلوبهم، منهم من يعبر بعبارة تكون سحراً: "إن من البيان لسحراً"، ومنهم من عنده في قلبه حجة قوية لكن لا يستطيع أن يعبر، ومن ذلك بعض الناس من إخواننا يقول: أنا أعرف الجواب بقلبي لكن لا أستطيع أن أنطق به بلساني.