1333 - وعن أم سلمة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار». متفق عليه.
من المعلوم أن الجملة هنا خبرية وأنها مؤكدة بـ (إن). فقد يقول قائل: لماذا تؤكد بـ (إن) وهي جملة ابتدائية ليست إنكارية حتى تحتاج إلى تأكيد؟ فيقال: إنها أكدت لما يأتي بعدها وهي قوله: "فمن قطعت له ... إلخ".
وقوله: "تختصمون إلي" قد يقول قائل: كان المتوقع أن يقول: تختصمون عندي، قلنا: إن معنى: رتختصمون" أي: ترغبون الخصومة إلي، ففي هذا الفعل تضمين، والتخاصم: هو تنازع الخصمين أيهما أحق.
"فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بع"، "لعل" هنا للتوقع؛ يعني: فيتوقع أن يكون بعضكم ألحن بحجته من بعض يعني، أفصح لأن ألحن في الأصل، اللحن هو: الميل، ومنه لحن المتكلم في الإعراب، يقال: هذا لحن، لكن هنا من باب السلب، ألحن يعني: أبلغ حجة بحيث لا يكون في حجته ميل.
"فأقضي له على نحو ما أسمع منه" أي: أحكم له على نحو ما أسمع منه بناء على الظاهر؛ لأنه أفصح من ذاك وأقوى في الحجة وأشد تعبيراً وتأثيراً، فيقضي له -عليه الصلاة والسلام- على نحو ما يسمع منه.
"فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار"، قوله: "من قطعت له من حق أخيه" يشمل الحقوق المالية والجنائية والشخصية وغيرها، "فإنما أقطع له قطعة من النار" على حد قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارا} [النساء: 10]. لأن آكلي مال اليتامى يأكلونها بغير حق، وهذا الذي حكم له وهو مبطل يأخذه بغير حق فكأنما يأكل ناراً -والعياذ بالله-.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن الخصومة واقعة في خير القرون، وأن هذا أمر لا يستغرب؛ لأن الصحابة كانوا يختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هل هناك مرحلة قبل الوصول إلى الخصومة؟ الجواب: نعم وهو المصالحة، إذا أمكنت المصالحة فهي أطيب للقلب وأبعد