1322 - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "استفتي سعد بن عبادة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذرٍ كان على أمِّه، توفِّيت قبل أن تقضيه؟ فقال: اقضه عنها". متَّفق عليه.
سعد بن عبادة رضي الله عنه هو سيد الخزرج، وسعد بن معاذ هو سيد الأوس، وكلا السعدين له منزلة عالية، ولكن سعد بن معاذ أفضل من سعد بن عبادة، وكلاهما ممن له منزلة عالية في الإسلام، قوله: "استفتى" أي: طلب منه الفتوى؛ لأن السين والتاء هي التي تدل على الطلب يقال: استفتى أي: طلب الفتيا، استغفر: أي طلب الاستغفار، وقد يراد بهما المبالغة، مثل: استكبر، ليس معناها طلب الكبر، لكن المعنى: أنه تكبر وزاد في كبريائه، وقوله: استفتى في نذر كان على أمه هنا لم يبين النذر، هل هو صيام عتق حج؟ لأن تنبيه ليس بذاك الضرورة، فإن تبين فإنه لا شك زيادة علم، وإن لم يتبين فلا يضر، توفيت قبل أن تقضيه أي: أن تقضي هذا النذر فقال: "اقضه عنها"، كلمة "اقضه" فعل أمر، لكنه هل هو على سبيل الوجوب أو على سبيل الإباحة؟ الثاني: هو الأقرب، يعني: لا بأس أن تقضيه عنها؛ لأنه جواب عن سؤال يظن السائل أن ذلك ممنوع، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم، ولأننا لو قلنا بالوجوب لزم التأثيم بالترك، وهذا يخالف قول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164].
ففي هذا الحديث فوائد: منها: حرص الصحابة- رضي الله عنهم- على العلم، لا لمجرد العلم والنظر ولكن للتطبيق فهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الأسئلة ليطبقوها، وليس كما يصنعه كثير من الناس اليوم يسأل لينظر ماذا عند العالم، وربما إذا سأله ووجد ما عنده ذهب إلى آخر وسأله ثم قال: قال العالم الفلاني كذا، فضرب آراء العلماء بعضها ببعض.
ومن فوائد الحديث: جواز قضاء النذر عن الأم؛ لأن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه، فهل يقاس عليها الأب؟ الجواب نعم، يقاس عليها الأب، وذلك أن الأولاد من الكسب وكسب الإنسان كعمله، وهل يقاس على ذلك من ليس له صلة بالناذر؟ فيه خلاف، والصحيح أنه يقاس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس هذا بالدَّين، ومعلوم أن الدَّين إذا قضاه الأجنبي والقريب برئت ذمة المدين، فالصواب أنه يجوز قضاء النذر عن الغير، سواء كان أبًا أم أمًا أم أخًا أم عمًا قريبًا كان أم بعيدًا.
ومن فوائد الحديث: أن ظاهره أنه لا يقضي النذر عن الناذر، إلا إذا تمكن من فعله فلم يفعل؛ لقوله: "توفيت قبل أن تقضيه"، وهذا لا يمكن إلا إذا كان متسعًا لقضائه، فأما لو لم