يمكن فإنه لا يقضي عنه، مثال ذلك: إذا قال لله عليّ نذر أن أصوم شهر شعبان، ولكن لم يدرك الشهر مات قبل ذلك ففي هذه الحال لا يلزم قضاؤه، ولا حاجة لقضائه؛ لأن الوقت الذي عيَّنه للنذر لم يدركه فقد أتى عليه وهو قد انتهى من التكليف فإن أدرك البعض دون البعض فما أدركه وقضاه سقط عنه وما لم يقضه يقضي عنه.
ومن فوائد الحديث: أن الكلام يحمل على ما يقتضيه السياق، كل كلام يحمل على ما يقتضيه السياق وإن خرج عن الأصل، فالأصل في الأمر الطلب، سواء كان إلزامًا أو على سبيل التطوع، لكن إذا دلَّ على أنه ليس للطلب وإنما هو للإباحة كان للإباحة.
ويتفرع على هذه الفائدة فائدة عظيمة وهي: أن السياق والقرائن يعين المعنى المراد، وإذا كان كذلك أيضًا نرتقي إلى شيء آخر وهو أنه لا مجاز في اللغة العربية، وذلك أن كل نص ادعى فيه المجاز فإن سياق الكلام يمنع المعنى الأصلي الذي يدعي من يقول بالمجاز أنه نقل عنه؛ لأن السياق هو الذي يعين المعنى، فمثلاً قوله تبارك وتعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلوا عليهم آياتنا وما كنَّا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} [القصص: 59]. كل يعلم أنه ليس المراد بالقرى هنا الأبنية، ولا أحد يشكل عليه هذا الأمر، وأما قوله تعالى: {إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين} [العنكبوت: 31]. فكلٌّ يعلم أن القرية هنا هي الأبنية لأنه قال: مهلكو أهل هذه القرية، فأضاف الأهل إليها فالسياق إذا كان هو الذي يعين المراد فإن المعنى الأصلي لو أنك فسرت به هذا الكلام الذي عيَّنه السياق لكان هذا خطأ، فإذن فمدلول الكلام هو الحقيقة، سواء كان هذا اللفظ منقولاً من غيره أو ليس بمنقول.
نفي المجاز عن القرآن:
ولهذا مشى شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك تلميذه ابن القيم، على أنه لا مجاز في اللغة العربية ومن العلماء من قال: لا مجاز في القرآن، وأما اللغة العربية ففيها المجاز، وعلَّل ذلك بأن من أكبر علامات المجاز صحة نفيه، والقرآن ليس فيه شيء يصح نفيه، فلهذا نقول: يمنع المجاز في القرآن ولا نقول بمنع المجاز في كلام امرئ القيس وغيره من أهل اللغة لكن الذين قالوا بالمنع مطلقًا ردُّوا على هذا، وقالوا: إننا نتكلم عن الكلام بقطع النظر عن المتكلم به. المتكلم به لا يبحث في موضوع الكلام، وإذا كنا نتكلم بهذا فنقول كل معنى يعينه السياق فهو حقيقة وحينئذ لا تحتاج إلى تقسيم ولكن كما تعلمون أن جمهور العلماء على هذا، مع أن هذا