معروفة في علم البديع، وبراعة الاستهلال: أن يأتي المتكلم في أول كلامه بما يدل على موضزع كلامه فتسمى براعة استهلال، يعني: أنه استهل كلامه بما يدل على موضوع الكلام لكن بغير تصريح، وذلك يسمى براعة أي: فطنة وذكاء، فما هي براعة الاستهلال هنا؟ هو أن هذا الكتاب في الحديث قديما وحديثا.
"والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه ... " إلخ.
"الصلاة والسلام على" هذه جملة خبرية لكن معناها الدعاء كأنك تقول: اللهم صل وسلم، فما هي الصلاة على الرسول؟ الصلاة على الرسول أحسن ما قيل فيها، ما قاله أبو العالية الرياحي: أنها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى عند الملائكة يعني: ذكر الله تعالى عبده بالذكر الحسن عند الملائكة. هذا ما اختاره كثير من العلماء، ولا سيما المتأخرون منهم، لكن في النفس من هذا شيء: وهو أن أبا العالية رحمه الله من التابعين ومثل هذا لا يقال بالرأي، لأن من يقول: إن الله يثني عليه فيحتاج إلى دليل من السنة يتبين به الأمر ويتضح ولكن فسره بعضهم قال: إن الصلاة من الله تعني: الرحمة، وهذا ليس بصحيح أيضا؛ لأن الله تعالى قال في الكتاب العزيز: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157]. والعطف يقتضي المغايرة، وأن الرحمة غير الصلوات وأيضا الرحمة يدعى بها لكل واحد، كل إنسان تقول: اللهم ارحمه، لكن الصلاة لا يدعى بها لكل واحد بل فيها خلاف وتفصيل عند العلماء
إذن فالصلاة لا نستطيع أن نجزم بأنها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى، ولا نقول: إنها الرحمة لفساد هذا المعنى، بل نقول: الصلاة فيها رحمة خاصة فوق الرحمة التي تكون لكل أحد ولا ندري معناها، وحينئذ نسلم من الشبهة، لكن القول بأنها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى فسره كثير من المحققين - رحمهم الله-.
أما السلام فهو السلامة من كل آفة، والرسول - عليه الصلاة والسلام- بعد موته سالم، أما في حياته فنعم معرض للأمراض، معرض للأذايا، معرض لكل ما يعرض للبشر، لكن بعد موته هو سالم من هذا، فما الفائدة بالدعاء له بالسلامة؟ نقول: وراء الموت أهوال ما هي؟ أهوال يوم القيامة؛ ولهذا كان دعاء الرسل يوم القيامة عند الصراط "اللهم سلم سلم". فهنالك أهوال، ثم إنه - صلوات الله سلامه عليه- سلام مما يحدث من الآفات الجسدية للأحياء، لكن ألا يمكن أن يسلط عليه من يأخذ جسمه مثلا؟ يمكن وقد وقع هذا لكن الله حماه؛ فإنه نزل المدينة غريبان أن يأخذا جسده الشريف - عليه الصلاة والسلام-، فنزلا في المسجد