هناك طائفة تمحلت وتمعرفت وتمعلقت وهم المعتزلة قالوا: لا نقول مؤمن ولا كافر، بل نقول: في منزلة بين المنزلتين، لا نسميه مؤمنّا ولا نسميه كافرًا نسميه في منزلة بين المنزلتين، لو أن أحدًا سافر من أهل المدينة إلى مكة وفي أثناء الطريق وقف هل نقول: إنه من أهل المدينة؟ لا، ولا من أهل مكة، لأنه لم يصل إليها بعد، يقولون: هذا في منزلة بين المنزلتين، هذا الفاعل للكبيرة لا يكون مؤمنًا، لأنه خرج من الإيمان، ولا يكون كافرًا، لأنه لم يصل إلى الكفر، وهو في الأخر مخلد في النار كما يقول الخوارج تمامًا، لكن أهل السنة - والحمد لله - هداهم الله تعالى الصراط المستقيم وقالوا: يجب أن نقول بالعدل، نقول: هذا مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان، وهذا هو الحق.
1209 - وعن أنس رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (وجاهدُوا المشركين بأموالكُم، وأنفسكُم، وألسنتكُم). رواهُ أحمد، والنسائيُّ، وصححُه الحاكمُ.
(جاهدوا) فعل أمر، ومعناه: ابذلوا الجهد، يعني: الطاقة في معاملة المشركين لأجل إعلاء كلمة بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، أما الأموال فأن يدفع الإنسان شيئًا من ماله للمجاهدين في سبيل الله، أو لشراء السلاح ليجاهد به في سبيل الله ومن جهز غازيًا فقد غزا، (أنفسكم) أن يباشر الإنسان نفسه الجهاد في سبيل الله، الثالث: (ألسنتكم) وذلك بالخطب والأشعار وما أشبه ذلك كهجاء المشركين وتشجيع المسلمين المجاهدين، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (وألسنتكم): بيان الحق، فيكون منفصلًا عما قبله، ويكون المراد بالجهاد باللسان هُو جهاد أهل العلم يجاهدون بألسنتهم فيبينون للناس شريعة الله ويدعونهم إليها، وأيهما أولى أن نقول: المراد بالجهاد باللسان الخطب التَّي تحث على الجهاد والتَّي توجب وهن أعدائنا وكذلك القاصئد، وكم كلمة صارت أشد من السيوف، وكان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يحث حسَّانا على هجاء المشركين ويقول: (اللَّهُمَّ أيده بروح القدس)، أو أن نقول: إن المراد بالألسن بيان الحق، ويكون المراد بالجهاد هنا جهاد العلم، فيبين للناس ما نُزل إليهم، أو الأمرين معًا؟ الأمرين جريًا على القاعدة التَّي تقول: إذا أمكن جمل اللفظ على المعنيين بدون تناقض فهو أولى من الاقتصار على أحدهما، وعلى هذا فيكون هذا أعم.