يريد الجهاد ولا يحدث نفسه به؛ لأنه عكس ما يراد بالجهاد؛ إذ إنه يريد أن تكون كلمة الله هي السفلى فلا يمكن أن يحدث نفسه بالغزو، فمن كان من المؤمنين على هذا الوجه "مات على شعبة" أي: على جانب، وشعبة الشيء جانبه، على جانب "من النفاق" والنفاق هو إبطان الشر وإظهار الخير، فإن كان الذي أبطنه كفرًا والذي أظهره إيمانًا صار منافقًا نفاقًا أكبر من الذين في الدرك الأسفل من النار، وإن كان معصية صار منافقًا نفاقًا أصغر، لماذا سمي هذا النوع من العمل السيء بالنفاق يعني: إبطان الشر وإظهار الخير، لماذا سمي بالنفاق؟ قالوا: لأنه مأخوذ من النافقاء وهي نافقاء اليربوع، واليربوع دويبة أكبر من الفأرة قليلًا رجلاه طويلة ويداه قصيرة، ـ لكنه ذكي وله حيل منها أنه يحفز له جحرًا في الأرض ويجعل له بابًا يخرج منه، ويدخل منه ثم يحفر في أقصى الجحر صاعدًا إلى الأرض حتى إذا بقى عليه مثل القشرة وقف من أجل إذا حجره أحد من بابه فتح النافقة هذه، والذي ينظر إلى الجحر من الأصل يقول: هذا ليس له إلا باب واحد، فهو قد أخفى الباب الثاني خداعًا ولهذا اشتق من هذه النافقاء كلمة نفاق.
ففي هذا الحديث: أنه يجب على الإنسان أن يغزو، فإن لم يفعل فليحدث نفسه بالغزو إذا قام ساق الجهاد.
وفيه أيضًا: التحذير من النفاق، ولعمر الله إنه لعمل سيئ يجب الحذر منه؛ لأن المنافق يرائي الناس بأعماله يظهر للناس أنه مستقيم وأنه على الهدى وهو بالعكس وقد قال الله تعالى: } إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلًا {] النساء: 142 [
ومن فوائد الحديث: أن النفاق يتشعب يكون أكبر وأصغر لقوله: "على شعبة من النفاق"، وهل الإيمان يتبعض؟ نعم، الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة.
ومن فوائد الحديث: أنه يمكن أن يجتمع في الإنسان خصال إيمان وخصال كفر، فالنفاق من خصال الكفر، وهذا الذي قررناه هو مذهب السلف وأئمة الخلف، وعليه درج أهل السنة والجماعة أن الإنسان يكون فيه خصلة إيمان وخصلة كفر، وقال بعض أهل البدع: لا يمكن أن يجتمع إيمان وكفر، فإما كفر خالص أو إيمان خالص، وهؤلاء هم الخوارج والمعتزلة، وكذلك المرجئة الخوارج يقولون: لا يمكن أن يكون في الإنسان خصال إيمان وكفر، إما كفر وإما إيمان، ولهذا لا يزيد الإيمان عندهم ولا ينقص، ففاعل الكبيرة كالزاني مثلًا عند الخوارج كافر خارج من الإيمان هو ومن يسجد للصنم سواء، وعند المرجئة: مؤمن كامل الإيمان لم ينقص إيمانه؛ لأن الإيمان عندهم هو المعرفة سواء استلزم القبول والإذعان أم لا.