من الفعل قال: إن مهر البغي خبيث وليس لك عليَّ شيء، فهل نلزمه أن يدفع ذلك إلى المرأة التي زنى بها أم ماذا؟ نقول: لا يمكن أن يرده إلى المرأة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مهر البغي خبيث"، هل نقول: يبقيه له؟ إن قلنا بذلك فهو مشكل؛ لأننا في هذه الحال جمعنا له بين العوض والمعوَّض؛ لأنه نال شهوته بالزنا، ثم نقول: أبق المال الذي اتفقت أنت والزانية عليه فيكون هذا مشكلًا، فنكون جميعًا له بين العوض والمعوَّض، ثم ربما يكون في ذلك تشجيع للزناة أن يفعلوا هذا مع البغايا ثم يقولون: نحن لا نعطيكن تلك الأجرة لأنها خبيثة، فما هو الجواب: أن نأخذ منه هذه الأجرة التي اتفق هو والبغي عليها ونجعلها في بيت المال، وهذا أصح الأقوال وأعدلها.
فإن قال قائل: يكون في هذا تضييع حق المرأة؟
فالجواب: أن المرأة ليس لها حق في هذا؛ لأن هذا عوض عن فعل محرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه".
ومن فوائد الحديث: أن الزاني إذا لم يكن متزوجًا فحده جلد مائة وتغريب عام، وسبق لنا صفة الجلد بأن يكون بسوط لا جديد ولا خَلق، وأنه يتقى في ذلك الرأس والفرج والمقاتل، لأن المقصود تعذيبه لا إهلاكه.
ومن فوائد الحديث: أن الحكم عام في الأحرار والعبيد، ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2]، لكن يخص الإماء من هذا العموم لقوله تعالى: {فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء]، أي: أن الإمام يجلدن خمسين جلدة، أما التغريب فقيل: يغرب الزاني المملوك، وقيل: لا يغرب، فمن قال: يغرب أخذ بالعموم، ومن قال: لا يغرب قال: لأن في ذلك تفويتًا لحق سيده فتلحق الجناية غيرها، ولكن الصحيح أن يغرب، وكون ذلك تفويتًا على سيده نظيره ما لو جنى هذا العبد أحد بما يوجب قصاصًا أو مالًا، فهل يؤخذ من سيده؟ نعم يؤخذ إذا كان قصاصًا قتل العبد، وإذا جنى جناية توجب المال قلنا للسيد: إما أن تدفع الجناية وإما أن تدفع العبد عوضًا عنها وإما أن يباع العبد ويؤخذ ثمنه ويجعل في الجناية.