بقي النظر: هل نقيس العبد على الأمة في تنصيف العذاب؟ أما الذين يمنعون القياس كالظاهرية فيقولون: لا قياس، وأما الذين يثبتون القياس فإنهم يقيسون العبد على الأمة ويقولون: إنه يتنصف على العبد، ولكن قد يعارض معارض في هذا القياس، ووجه المعارضة: أن من شرط القياس مساواة الفرع للأصل في العلة، والفرع هنا لا يساوي الأصل، وذلك لأن الإماء نساء مغلوبات على أمرهنّ، فربما يخدعن وربما يهددن، وبما يكرهن أسيادهن مع أن مع الإكراه ليس هناك حدٌّ بخلاف الرجل وحينئذٍ يمتنع القياس، فيقال: إذا زنى العبد يجلد على منع القياس مائة ويغرب عامًا، وإذا زنت الأمة فإنها ينص القرآن تجلد خمسين جلدة.
ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل في إثبات الحدود وفي إقامة الحدود لقوله: "واغد يا أنيس إلى امرأة فإن اعترفت فارجمها"، "وإن اعترفت" هذا إثبات الحد، "فأرجمها" هذا إقامة الحد.
ومن فوائد الحديث: أنه لا بد من تعيين الوكيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: ليغد أحدكم إلى امرأة هذا، بل قال: "اغد يا أنيس"، فلا بد من تعيين الوكيل في مثل هذه الأمور الخطيرة.
ومن فوائد الحديث: أنه لا تقبل دعوى الغير على الغير أو لا يقبل إقرار الغير على الغير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل قول الرجل فزنى بامرأتي، بل قال: "اغد يا أنيس فإن اعترفت فارجمها".
ومن فوائده: أن القذف في مقام المحاكمة قبل ثبوت البراءة ليس فيه حد، يؤخذ من أن الرجل قال: "فزنى بامرأتي"، ولم يقم عليه النبي صلى الله عليه وسلم الحد.
فائدة في حكم استراط التكرار في الإقرار لثبوت الزنا:
ومن فوائد الحديث: أنه لا يشترط في الإقرار بالزنا تكرار الإقرار، وأنه إذا أقر مرة واحدة ثبت الفعل؛ لقوله: "فاعترفت"، والفعل يدل على الإطلاق فهو غير مقيد بعدد، ولو كان العدد واجبًا لبينة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرجل لم يعد إلى الرسول إلا وقد نفّذ الحد، وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من ذهب إلى هذا الحديث وقال: لا يشترط تكرار الإقرار، ومنهم من قال: إنه يشترطن وحمل هذا المطلق على المقيد، وذلك في حديث ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى فأعرض عنه إلى الوجه الثاني، فجاء من الوجه الثاني، وقال: إنه زني فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات، وحينئذٍ استثبت النبي صلى الله عليه وسلم من الرجل قال: "أبك جنون" قال: لا، فأرسل إلى أهله وذرية هل الرجل غير عاقل؟ وفي بعض الروايات أنه أمر شخصًا يستنكهه، يعني: يشمه لعله سكران من الخمر، كل هذا لم يكن مجنونًا ولا سكران بل هو عاقل، لكن لماذا لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم الحد إلا بعد التكرار؟ أما على القول بأنه شرط فالأمر ظاهر؛ لأنه لا يتم الحكم إلا بالتكرار، وأما على القول الثاني فأجابوا عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تردد في صحة إقرار هذا الرجل بدليل أنه سأله أبك جنون؟ ثم سأله كيف زني، حتى قال له: