الناس مورد لا يتعداه، وسبيل لا يتخطاه، ولقد عذر من حمل ما انتهت إليه قوام، وسعى إلى حيث انتهت إليه خطاه.

فأما المسألة الأولى: فإن الخلاف في وقوع الطلاق المحرم لم يزل ثابتًا بين السلف والخلف، وقد وهم من أدعى الإجماع على وقوعه، وقال بمبلغ علمه، وخفي عليه من الخلاف ما اطلع عليه غيره، وقد قال الإمام أحمد: من ادعى الإجماع، فهو كاذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا.

كيف والخلاف بين الناس في هذه المسألة معلوم الثبوت عن المتقدمين والمتأخرين؟ قال محمد بن عبد السلام الخشني: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال في رجل طلق امرأته وفي حائض، قال ابن عمر، لا يعتد بذلك، ذكره أبو محمد أبن حزم في "المحلى" بإسناده إليه".

وقال عبد الرزاق في "مصنفه": عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه قال: كان لا يرى طلاقًا ما خالف وجه الطلاق، ووجه العدة، وكان يقول: وجه الطلاق: أن يطلقها طاهرًا من غير إجماع وإذا استبان حملها.

وقال الخشني: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض: قال: لا يعتد بها قال أبو محمد ابن حزم: والعجب من جرأة من ادعى الإجماع على خلاف هذا، وهو لا يجد فيما يوافق قوله في إمضاء الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه كلمة عن أحد من الصحابة- رضي الله عنهم- غير رواية عن ابن عمر قد عارضها ما هو أحسن منها عن ابن عمر، وروايتين ساقطتين عن عثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنه، إحداهما: رويناها من طريق ابن وهب عن ابن سمعان عن رجل أخبره أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقضي في المرأة التي يطلقها زوجها وهي حائض أنها لا تعتد بحيضتها تلك، وتعتد بعدها بثلاثة قروء، قلت: وابن سمعان هو: عبد الله بن زياد بن سمعان الكذاب، وقد رواه عن مجهول لا يعرف، قال أبو محمد: والأخرى من طريق عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن قيس بن سعد مولى أبي علقمة، عن رجل سماه، عن زيد بن ثابت أنه قال فيمن طلق امرأته وهي حائض: يلزمه الطلاق وتعتد بثلاث حيض سوى تلك الحيضة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015