قال أبو محمد: بل نحن أسعد بدعوى الإجماع هاهنا لو استجزنا ما يستجيزون، ونعوذ بالله من ذلك، وذلك أنه لا خلاف بين أحد من أهل العلم قاطبة، ومن جملتهم جميع المخالفين لنا في ذلك أن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه بدعة نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة لأمره، فإذا كان لا شك في هذا عندهم، فكيف يستجيزون الحكم بتجويز البدعة التى يقرون أنها بدعة وضلالة، أليس بحكم المشاهدة مجيز البدعة مخالفًا لإجماع القائلين بأنها بدعة؟ قال أبو محمد: وحتى لو لم يبلغنا الخلاف، لكان القاطع على جميع أهل الإسلام بما لا يقين عنده، ولا بلغه عن جميعهم كاذبًا على جميعهم.

قوله: "لكان القاطع .... إلخ". "القاطع": اسم كان، "وكاذبًا" خبره، معناه: أن الذي يقطع بالإجماع يكون كاذبًا على جميع الناس، والمسألة لم يرو فيها إلا عن عثمان بهذا السند الضعيف وزيد بن ثابت فكيف يدَّعى الإجماع بأنه يقع وابن حزم يقول: نحن أسعد بدعوى الإجماع هاهنا لو استجزنا ما يستجيزون، ما هو الذي يستجيزون؟ دعوى الإجماع.

قال المانعون من وقوع الطلاق المحرم: لا يزال النكاح المتيقن إلا بيقين مثله من كتاب، أو سنة، أو إجماع متيقن، فإذا أوجدتمونا واحدًا من هذه الثلاثة رفعنا حكم النكاح به، ولا سبيل إلى رفعه بغير ذلك، قالوا: وكيف والأدلة المتكاثرة تدل على عدم وقوعه، فإن هذا طلاق لم يشرعه الله تعالى ألبتة، ولا أذن فيه، فليس من شرعه، فكيف يقال بنفوذه وصحته؟

قالوا: وإنما يقع من الطلاق ما ملكه الله تعالى للمطلق، ولهذا لا يقع به الرابعة؛ لأنه لم يملكها إياه، ومن المعلوم انه لم يملكه الطلاق المحرم، ولا أذن له فيه، فلا يصح، ولا يقع.

قالوا: ولو وكل وكيلًا أن يطلق امرأته طلاقًا جائزًا، فطلق طلاقًا محرمًا، لم يقع؛ لأنه غير مأذون له فيه، فكيف كان؟ ! إذن المخلوق معتبرًا في صحة إيقاع الطلاق دون إذن الشارع، ومن المعلوم أن المكلف إنما يتصرف بالإذن، فما لم يأذن به الله ورسوله لا يكون محلًّا للتصرف ألبتة.

قالوا: وأيضًا فالشارع قد حجر على الزوج أن يطلَّق في حال الحيض أو بعد الوطء في الطهر، فلو صح طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى، وكان حجر القاضي على من منعه التصرف أقوى من حجر الشارع حيث يبطل التصرف بحجره.

قالوا: وبهذا أبطلنا البيع وقت النداء يوم الجمعة؛ لأنه بيع حجَّر الشارع على بائعه هذا الوقت، فلا يجوز تنفيذه وتصحيحه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015