والمراد بالباءة هنا: النكاح، ويشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية، لأن الشاب إذا لم يكن عنده استطاعة بدنية فلا حاجة به إلى النكاح، وإذا كان عنده استطاعة بدنية لكن ليس عنده مال فليس عنده قدرة على النكاح، ولكن قد يقول قائل: إن المراد بالاستطاعة هنا: الاستطاعة المالية، لقوله: «ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإن هذا يدل على أن المخاطب لديه قدرة بدنية لكن ليس عنده قدرة مالية، وقوله: «فليتزوج» هذه جواب «مَن»، وقُرنت بالفاء؛ لأن الجملة الواقعة جوابًا طلبية، وهي فعل مضارع؛ لأنها مقرونة بلام الأمر، «فليتزوج».
«فإنه» أي: الزواج، «أغض للبصر وأحصن للفرج»، ولم يقال: وأكثر للولد، مع أنه أكثر للولد، لأن غالب الشباب أكبر همهم ما يكون به غض البصر وتحصين الفرج، ولهذا تجد اللذينَ يهنئونه بالزواج لا يتبادر إلى أذهانهم أنهم يهنئونه بأنه وجد حرثا يبذر فيه ويكون له أولاد، بل ربما يقولون: له تريث في الإنجاب لمدة سنتين أو ثلاث أو أربع، إنما يُهنئونه لأجل ما يكون به غض البصر وتحصين الفرج، ولهذا لم يذكر النيي (صلى الله عليه وسلم) الفائدة العظيمة وهي كثرة الولد؛ لأنه يُخاطب الشباب، وأهم شيء لديهم هذان الأمران.
«فإنه أغض للبصر» «أغض» يعني: أشد غضًّا للبصر، والغض هو النقص، يعنى: أنه يحجز البصر عن النظر إلى النساء، وهذا شيء مُجرب مشاهد، فالإنسان إذا تزوج غض بصره عن النظر إلى النساء، أما قبل ذلك فإنه يخشى أن يديم النظر إلى النساء بناء على ما جبله الله عليه من هذه الغريزة، وإن كان الإنسان قد يكون عنده من الإيمان ما يمنعه: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]. لكن الكثير هو هذا.
وقوله: «أحصن للفرج» أي: أمنع، ومنه سمي الحصن، لأنه يمنع من فيه، «أحصن للفرج» يعني: أمنع عن المحرم -عن الفاحشة- فإنه يمنع الإنسان من الفاحشة، ولذلك أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) الرجل إذا رأى من امرأة ما يعجبه أن يأتي أهله وقال: «إن ما معها مثل الذي معها»، يعني: مع أهلك مثل الذي كان مع التي أعجبتك.
«ومن لم يستطع»، أين المفعول به؟ محذوف، تقديره: الباءة، «فعليه بالصوم»، «عليه» هنا جار ومجرور يُراد به: الإغراء؛ أي: فليلزم الصوم، والمراد بالصوم هنا: الإمساك عن الطعام والشراب تعبداً لله -سبحانه وتعالى- من طلوع الشمس إلى غروب الشمس؛ أي: أن المراد بالصوم هنا: الصوم الشرعي لا الصوم اللغوي، لأن الصوم اللغوي هنا لا معنى له؛ ولأن القاعدة المقررة أن يحمل كلام كل متكلم على عرفه، فإذا جاء الكلام من النبي (صلى الله عليه وسلم) يُحَمل على العرف الشرعي لأنه مُشرع، لكن لو جاءنا من رجل لغوي حملناه على المعنى اللغوي.