وقوله: «ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجَاء» «من لم يستطع»، أي: لم يستطع الباءة،
وقلنا: إنه يُراد بها الجماع، ويُراد بها ما يحصل به الجماع من المال، والمراد بها هنا: ما يحصل به الجماع من المال؛ لقوله: «من لم يستطع»؛ إذ لا يصح أن يحمل، قوله: «من لم يستطع» على الجماع، لأن من لا يستطيع الجماع لا يحتاج إلى النكاح، لكن من لم يستطع المال الذي يحصل به الجماع «فعليه بالصوم»، «عليه» هذه جار ومجرور وهو بمعنى: فليلزم، فهو اسم فعل أمر بمعنى: فليلزم، والعرب تستعمل الجار والمجرور بمعنى اسم الفعل، ومنه قوله تعالى: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] وقوله: «فإنه له وجاء»، «إنه» أي: الصوم، «له» أي: لمن لم يستطع، «وجاء» أي: مانع يمنع من قوة الشهوة وثورانها، يعني: أن الصوم يقطع الشهوة، فيقل على المرء التعب من أجلها، هذا الحديث خاطب النيي (صلى الله عليه وسلم) فيه الشباب؛ لأنهم أخرى به من الشيوخ، وذلك لأن الشباب هم الذين تتوافر فيهم هذه الشهوة، فلهذا وجّه الخطاب إليهم.
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: أولاً: حسن خطاب النبي (صلى الله عليه وسلم) حيث وجه الخطاب إلى من هم أولى به.
ومن فوائده: أن الشاب القادر على الزواج يجب عليه أن يتزوج لقوله (صلى الله عليه وسلم): «فليتزوج» واللام للأمر والأصل في الأمر الوجوب، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن القادر على الزواج يجب عليه أن يتزوج، لأن الأصل في الأوامر الوجوب، ولما فيه من المصالح العظيمة، وقال بعض أهل العلم: إن الأمر هنا للاستحباب، وعللوا ذلك بأن النكاح تعود مصلحته إلى الفاعل، وهي مصلحة جسدية متعلقة بالشهوة، فيكون الأمر للإرشاد، أي: للاستحباب، ولكن الصحيح أن الأمر للوجوب؛ وذلك لأن النكاح عبادة؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أمّر به، ولأنه من سنن المرسلين كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] ولقول النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يتحدث عن حاله: «وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني».
لكن الفقهاء - رحمهم الله- قسّموا النكاح إلى عدة أقسام فقالوا: إنه واجب وحرام ومكروه ومُباح ومسنون على حسب ما تقتضيه الحال، والأصل فيه عند الفقهاء السنية ولا يجب إلا لسبب، فما هو الواجب؟ قالوا: النكاح الواجب هو الذي يكون على من يخاف الزنا بتركه، فالذي يخاف الزنا إذا تركه يجب عليه أن يتزوج، والعلة لأن فيه وقاية من الوقوع في الحرام، والحرام واجب الاجتناب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا خاف ألزنا على نفسه