محتاجاً أم غير محتاج، لو أخذ الحبل يحتطب ويأكل لكان خيراً له من أن يعطي الربا، ثم اعلم أن الربا سيكون في أشياء معينة تذكر في الأحاديث التي تأتي- إن شاء الله- من أدلة الكتاب على تحريمه قوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربوا أضعافاً مضعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين} [آل عمران: 130 - 131]. وهذا يدل على أن آكل الربا مهدد بالنار المعدة للكافرين، وقوله تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون} [البقرة: 275].
وقوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربوا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 278 - 279]. وقوله تعالى: {وما أتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكوةٍ تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} [الروم: 29]. أما في السنة فاستمعوا إلى حديث جابر رضي الله عنه.
795 - عن جابر رضي الله عنه قال: "آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء". رواه مسلم.
- وللبخاري نحوه من حديث أبي جحيفة.
لعن خمسة- والعياذ بالله- في الربا: "آكله" بدأبه؛ لأنه المستفيد من الربا فلذلك بدأ به، وهو أشدهم- والعياذ بالله- لأنه يأكل الربا، وأكل مال محرم سحت يتغذى جسده بالسحت، فإذا دعا لم يكن حرياً بالإجابة، فلو فعل أسباب الإجابة ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، وملبسه حرام، ومطعمه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك».
"وآكل الربا" لا يعني من أكله فقط، بل من أخذه سواء أكله أو لبسه أو شربه أو غير ذلك، وإنما ذكر الأكل؛ لأنه أخص وجوه الانتفاع؛ لأنه يتغذى به البدن، فاللباس يقيه الحر والبرد لكن ليس كنفع الأكل، لأن نفع الأكل أدخل مباشرة في البدن، وأما قول بعضهم: أعم وجوه الانتفاع، فلأن الغالب أن الإنسان ينتفع أكلاً أكثر مما ينتفع بماله شرباً أو لبساً لكن الظاهر أنه خص الأكل؛ لأنه أخص الانتفاع بالربا، ولكن هل المراد خصوص الأكل؟ الجواب: لا، بل المراد: أخذه للأكل أو لغيره، ولهذا قال الله تعالى في اليهود: {وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} [النساء: 161].