ثانياً: "موكله"، الموكل هو الذي يعطي الربا، واستحق اللعنة على فعل تكون به اللعنة والمعين على المحرم كفاعل المحرم، كما أن المعين على الخير كفاعل الخير.
"كاتبة" أيضاً ملعون، لأنه أعان على تثبيته بكتابته، ولأنه لم يكتبه إلا وقد رضي به، فصار مشاركاً للفاعل، ويقال كذلك في "شاهديه" اللذين يشهدان به، فإنهما داخلان في اللعنة؛ لان شهادتهما بذلك تثبته، ولأن شهادتهما به تدل على رضاهما به، والراضي بالمحرم كفاعل المحرم، وعلى هذا يكون الربا يلعن فيه خمسة: الآكل، والموكل، والكاتب، والشاهدين، يلعن فيه هؤلاء الخمسة، وعرفتم وجه اللعن فيما عدا الأكل؛ لأن لعن الأكل واضح، ولعن غيره من أجل السببية.
وفي الحديث دليل على أن أكل الربا وتأكيله والشهادة في وكتابته من كبائر الذنوب، وجه ذلك: أنه رتب على هذه الأفعال اللعنة وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
ومن فوائده: أن المعين المحرم كفاعل المحرم حتى وإن كان مظلوماً به، فالموكل مظلوم بالمحرم بالربا ومع ذلك كان له إثم الآكل لإعانته إياه على أكله ورضاه بذلك.
ومن فوائد الحديث: تحريم الشهادة بما يكون حراما؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن الشاهد، وكذلك نقول في الكتابة، فإذا كان الشيء عند الشاهد حرام عند غيره فإن كان حراماً عند المتعامل به كانت شهادة الشاهد به حراماً وإن كان يرى الحل لماذا؟ لأنه أعان على المحرم فهو يعتقد أن هذا الذي شهد له بهذا المحرم يعتقد تحريمه فيكون شاهداً له بالمحرم، وإن كان هو يرى الحل كمسائل البيوع التي اختلف فيها العلماء أو مسائل الوقف المختلف فيها، أو الرهن أو غير ذلك، شهدت لشخص يعتقد أن هذا العقد محرم وأنت تعتقد أنه حلال، فنقول: هذا حرام عليك، لأنك أثبت لهذا الشخص ما يعتقد أنه حرام، وكذلك بالعكس لو كان هذا الشخص يعتقد الحل وأنت ترى التحريم حرم عليك أيضاً أن تشهد؛ لأنك ستشهد بما تعتقد أنه حرام، ولكن يدخل في هذه المسألة الشهادة على الطلاق الثلاث هل يشهد الإنسان أولا يشهد؟
رجل طلق زوجته ثلاثاً ثم ادعت على زوجها أنه طلقها ثلاثاً، وأنكر الزوج، ويوجد من يشهد من حضر طلاقه هل يشهد بهذا الطلاق أو لا يشهد لأنه محرم؟
الجواب: أنه يشهد، لماذا؟ لأنه يترتب عليه أمر كبير، وأنا الآن لا أشهد به إقراراً له، ولكن لأجل ما يترتب على هذا من البينونة الكبرى لمن يرى أن الثلاث تبين به المرأة، أو التأديب عند من يرى أن المرأة لا تبين به ولكنه حرام، المهم: أنه إذا سمع شخصاً يطلق زوجته ثلاثاً ودعت الحاجة أن يشهد بذلك عند القاضي فإنه يشهد؛ لأن هذا أمر وقع ولم يبق إلا أن تشهد