وفيه: دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يرشد الغرير الجاهل إلى ما يسلم به من غائلة هذا الجهل والمغرة؛ لأن هذا من النصح، فلا يجوز للإنسان إذا رأى شخصاً غريراً وقف على دكان يسأله عن سلعة فقال له صاحب الدكان: ثمنها سبعمائة وهو يدري أن قيمتها خمسين ويسكت، بل الواجب عليه أن يقول لهذا المشتري: إن قيمتها في السوق خمسون، ولا يعد ذلك من قطع الرزق كما يظنه بعض العامة.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا خيار في الغبن إلا إذا شرط؛ يعني: إذا شرط المغبون بأن له الخيار، ووجه ذلك: أنه لو كان يثبت الخيار بالغبن ما احتيج إلى اشتراطه، وسبق لنا الجواب على ذلك، وقلنا: إن هذا إنما ذكر من اجل التوكيد وقطع النزاع؛ لأن هناك أحاديث تدل على ثبوت الغبن مثل النهي عن تلقي الجلب والمصراة، فإن هذا يدل على خيار الغبن وهذا هو الصحيح.

****

3 - باب الربا

الربا في اللغة: الزيادة، ومنه قوله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [فصلت: 39]. أي: علت وزادت، ومنه قوله تعالى: {وءاوينهما إلى ربوةٍ ذات قرار ومعين} [المؤمنون: 50]. أي: إلى مكان مرتفع زائد عن مستوى الأرض، أما في الشرع: فإنه الزيادة بين شيئين حرم الشارع التفاضل بينهما بعوض أو التأخير في قبض ما يشترط قبضة، وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع، بل هو من كبائر الذنوب، بل من الموبقات السبع التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات»، وذكر أكل الربا، وفيه وعيد عظيم في القرآن والسنة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: إنه لم يرد في ذنب دون الشرك مثل ما رد في الوعيد على آكل الربا؛ وذلك لأنه فساد للمجتمع في دينهم ودنياهم؛ فإنه يقتضي أن يتغذى الناس بالحرام ويقتضي أن تختلف طبقات الناس، فيكون منهم من هو في القمة، ومنهم من هو في القمامة، ويحصل به التضخم المالي المدمر للاقتصاد بين الأمة، فهذا وردت فيه نصوص كثيرة في الوعيد وإنما وردت فيه بالوعيد الشديد؛ لأن النفوس تحب المال، كما قال الله تعالى: {وتحبون المال حباً جماً} [الفجر: 20]. فتحتاج إلى رادع قوي يمنعها من أكل هذا المال المحرم؛ لأنه لو كان الوعيد خفيفاً هان على الإنسان أن يأكل هذا المال المحرم، لكن إذا كان الوعيد عظيماً ارتدع من قلبه إيماناً، ثم إن هذا الربا العظيم الذي توعد الله عليه في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وأجمع المسلمون على تحريمه، لا فرق بين أن يكون المرابي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015