جاء التعيين ورد على ذهن متشوف ومتشوق إلى معرفة هذا الشيء، كما لو قلت: عندي لك ثلاثة، فيتشوق ما هي: ثلاثة كتب أو ريالات أو ثلاثة أقلام، فإذا قلت: ثلاثة دراهم ورد هذا التعيين على ذهن متشوف إلى البيان.
"المسجد الحرام" هو مسجد مكة وسمِّي حرامًا لحرمته وتحريمه، والثاني: "مسجدي هذا"، يعني: المسجد النبوي. الثالث: "المسجد الأقصى"، الذي في فلسطين، هذه المساجد كلها وضعت وأسست على التقوى، المسجد الحرام من الذي رفع قواعده؟ إبراهيم، والمسجد الأقصى يعقوب، ولكنه جدِّد على عهد سليمان، ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم كم بينهما - الكعبة والمسجد الأقصى - قال: "أربعون سنة" ()؛ لأن المدة بين إبراهيم ويعقوب قريبة، أما سليمان فإنه بناه تجديدًا، المسجد النبوي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو آخرها، لكنه في الفضل أفضل من المسجد الأقصى؛ لأن الصلاة في المسجد النبوي خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، والمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما عداه، والأقصى بخمسمائة صلاة، فأفضلها إذن المسجد الحرام.
يستفاد من هذا الحديث: تحريم شد الرحال إلى أي بقعة من الأرض سوى هذه المساجد الثلاثة لقوله: "لا تشد"، وهذا نفي بمعنى النهي، والأصل في النهي التحريم، لو أن أحدًا شد الرحل لا من أجل فضل البقعة ولكن ليشاهد، مثل أن يقال له: إنه قد بني في الرياض مسجد عظيم البناء واسع مكيف فشدَّ الرحل لينظر إليه، هل هو جائز؟ نعم، لأنه ما شد الرحل لاعتقاد أن فيه فضيلة، رجل شد الرحل إلى "غار حراء" للتبرك أو التعبد فيه لا يجوز، ولا "غار ثور" لا يجوز، المساجد السبعة في المدينة، والسبعة هذه أنها من خرافات المزورين وليست بصحيحة، على كل حال: كل مكان يشد الرحل إليه من أجل التعبد لله لا يجوز إلا هذه المساجد الثلاثة، لو أن رجلًا شدَّ الرحل إلى مسجد ليتلقى العلم فيه، لأن خطيبه مؤثر، يجوز أم لا؟ يجوز؛ لأنه شده لطلب العلم حتى من القصيم إلى الرياض أو العكس فيجوز ما دام الغرض من ذلك هو نفس هذا الشخص الذي ذهب إليه لو يخطب في مسجد آخر ذهب إليه، فإذن البقعة ليست مقصودة عنده.
كأني سمعت سائلا يسأل يقول: شد الرحل إلى مسجد "قباء" هل يجوز أم لا؟ لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج إليه كل سبت ماشيًا فليس مما تشد إليه الرحال، لماذا خصت هذه المساجد بجواز شد الرحل إليها؟ نقول: لفضلها من جهة: لأنها أفضل بقاع الأرض، ومن جهة أخرى: لكثرة الثواب فيها كما سمعتم.