للظاهرية، والذين قالوا بعدم تأثيره أجابوا عن الحديث بأنه منسوخ، وهذا الجواب ليس بصواب؛ لأن من شروط النسخ العلم بالتاريخ بتأخر الناسخ، قالوا: هذا خاصٌّ بسالم مولى أبي حذيفة، قلنا: أين الدليل على الخصوصية والأصل العموم؟ قالوا: هذا خاصٌّ بمثل حال مولى أبي حذيفة، قلنا: هذا صحيح إذا وجد إنسان بهذه المثابة فإن إرضاعه صحيح، لكن بعد بطلان التبني لا يمكن أن يوجد، على كل حال نقول: ليس هناك حكم للتخصيص.

فضل المساجد الثلاثة:

673 - وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" (). متَّفقٌ عليه.

أولًا: نسأل ما المناسبة في ذكر هذا الحديث في باب الاعتكاف؟ المناسبة: أنه لما كان الاعتكاف خاصًّا بالمساجد أتى المؤلف بما هو أخصُّ من الاعتكاف وهو شدُّ الرحال حيث لا يجوز شد الرحال إلا إلى هذه المساجد، فالاعتكاف خاص بالمساجد، وشد الرحال أخصُّ حيث لا يجوز إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، وأما استنباط بعض الشُّراح أن المؤلف يريد الإشارة إلى أن الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة لا يصح فليس بصواب؛ لأن المؤلف ممن يرون جواز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال"، "لا" نافية بدليل ضم الفعل، ولو كانت ناهية لجزم. "الرحال" معروف وهو الرحل الذي يوضع على البعير ليركب.

وقوله: "إلا إلى ثلاثة مساجد"، أين المستثنى منه؟ المستثنى منه محذوف، وإنما حذف للعموم ليشمل شد الرحل إلى المساجد الأخرى، يعني: لا تشد الرحال إلى أي مسجد إلا المساجد الثلاثة، وإلى الأماكن الأخرى التي يعتقد من يشد الرحال إليها أن لها مزية كالذين يشدون الرحال إلى القبور؛ لأن القبور أماكن، وهل يعم شد الرحل إلى البلاد الأخرى لطلب العلم؟ لا، لا يشمل؛ لأن الشَّاد لطلب العلم ليس شادًّا للمكان ولكن للعلم، وقد ثبت عن الصحابة ومن بعدهم أنهم يشلون الرحال لطلب العلم.

قوله: "إلا إلى ثلاثة مساجد ... " إلخ، في هذا تفصيل بعد الإجمال، الإجمال في قوله: "ثلاثة مساجد"، والتفصيل: "المسجد الحرام"، وقد ذكرنا أن هذا من أساليب اللغة العربية التي يقصد بها تثبيت الكلام في ذهن السامع، كيف ذلك؟ لأن السامع إذا جاءه الإجمال تشوق ذهنه إلى التفصيل والتبيين، فإذا قال: "إلى ثلاثة مساجد"، بدأ الذهن يقول: ما هي هذه المساجد؟ فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015