ومن فوائد الحديث أيضًا: جواز تقدم الصوم قبل رمضان بأكثر من يومين، لقوله: "يوم أو يومين"، ولكن هل إذا صام قبل رمضان بثلاثة أيام يستمر، أو نقول: إذا بقي يوم أو يومان فأمسك؟ الحديث يقول: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين" هل يصدق على هذه الصورة- صورة رجل صام في اليوم السابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين- الظاهر أنه يصدق عليه، ونقول: إذا بقي يومان فأمسك إلا إذا كنت تصوم صومًا فصمه، مثل: لو كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصام (27، 28، 29) فهذا لا بأس به، أو كان يصوم يوم الإثنين عادة فصادف يوم الإثنين التاسع والعشرين لا بأس، أو كان يصوم الخميس عادة فصام يوم الخميس التاسع والعشرين فلا بأس، أو كان بقي عليه من رمضان الماضي أيام فأكملها قبل رمضان بيوم أو يومين فلا بأس؛ لأن صومه حينئذ يكون واجبًا.
وقوله: "إلا رجل"، هل المرأة كالرجل؟ نعم؛ لأن الأصل في الأحكام تساوي الرجل والمرأة إلا بدليل يدل على التخصيص.
رجل يصوم يومًا ويفطر يومًا فصادف يوم صومه التاسع والعشرين فإنه يصومه لقوله: "إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه".
ومن فوائد الحديث أيضًا: الإشارة إلى النهي عن التنطع وتجاوز الحدود بناء على أن العلة هي خوف أن يلحق هذا برمضان.
ومنها: أن للعادات تأثيرًا في الأحكام الشرعية لقوله: "إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه"، ولكن ليس معنى ذلك أن العادات تؤثر على كل حال لكن لها تأثير، وقد رد الله عز وجل أشياء كثيرة إلى العرف، والعلماء أيضًا ذكروا أن بعض الأشياء تفعل أحيانًا لا اعتيادًا كما قالوا: يجوز أن يصلي الإنسان النفل جماعة، لكن أحيانًا لو أردت مثلًا أن تقوم صلاة الليل أنت وصاحبك جماعة فلا بأس به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع ابن عباس وحذيفة، أمَّا أن تتخذ ذلك سنة راتبة فلا.
فهذا دليل على أن للعادة تأثيرًا في الأحكام الشرعية سلبًا أو إيجابًا.
ومن فوائد الحديث: أن الأمر قد يأتي للإباحة لقوله: "فليصمه"، حيث قلنا: إنها للإباحة، وهل يأتي الأمر للإباحة في غير هذا الموضع؟ نعم، كثيرًا، وقد قالوا في الضابط لإتيان الأمر للإباحة أن يكون في مقابلة المنع شرعًا أو عرفًا: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]. هذا في مقابلة المنع شرعًا، فإذا كنت محرمًا حرم عليك الصيد، إذا حللت حل لك الصيد، أو نقول: إذا حللت فخذ البندقية واذهب صد الطيور؟ ليس كذلك، لكنه مباح؛ لأنه في مقابلة المنع: {لا تحلُّوا شعائر الله ولا الشَّهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا ءامين البيت الحرام يبتغون فضلًا من رَّبهم