ورضوانًا وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]. {فإذا قضيت الصَّلوة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10]. للإباحة لأنها في مقابلة المنع. هذا الشرعي، العرف: استأذن عليك رجل فقلت: ادخل. هذا أمر للإباحة، ولهذا لو شئت ما دخلت ما أنَّبتك ولا يؤنِّب أحد شخصًا لم يدخله إلا رجلًا يعتبر أحمق، على كل حال: الأمر في مقابلة المنع يكون للإباحة سواء كان أمرًا شرعيًا أو عرفيًا؛ لأنه يقول: "فليصمه"، الضمير في قوله: "فليصمه" أي: فليصم الصوم الذي كان يصمه من قبل.
ومن فوائد الحديث أيضًا: الإشارة إلى ضعف ما يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه- رواه أهل السنن-: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، فإن هذا الحديث ضعيف أنكره الإمام أحمد، وإن كان بعض العلماء صححه أو حسنه وأخذ به، وقال: إنه يكره الصوم من السادس عشر من شعبان إلى أن يبقى يومان، فإذا بقي يومان صار الصوم حرامًا لهذا الحديث، والصواب: أن ما قبل اليومين ليس بمكروه، وأما اليومان فهو مكوره.
فائدة في التدرج في فرض الصيام:
فرض الصيام على ثلاثة أوجه وهي: أول ما فرض صوم عاشوراء، ثم فرض صوم رمضان على التخيير، ثم فرض صوم رمضان على التعيين، يعني: لا بد من الصوم، فهذه ثلاث مراحل.
أما المرحلة الأولى: فقد دلّ عليها أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يصوموا عاشوراء.
وأما المرحلة الثانية: فقوله- تبارك وتعالى-: {وعلى الَّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوَّع خيرًا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لَّكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184].
وأما الثالثة: فهي قوله بعدها: {شهر رمضان الَّذي أنزل فيه القرءان هدًى للناس وبينتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشَّهر فليصمه} [البقرة: 185].
والحكمة من ذلك: أن الصوم فيه نوع من المشقة على النفوس فدرج التشريع شيئًا فشيئًا، لأن كل شيء يشق على النفوس، فالله عز وجل بحكمته ورحمته يلزم العباد به شيئًا فشيئًا، ونظير ذلك تحريم الخمر فإنه جاء على أربع مراحل:
المرحلة الأولى: الإباحة وإن كانت هذه لا تعد مرحلة؛ لأنها على الأصل، لكن الله نص على ذلك: {ومن ثمرات النَّخيل والأعناب تتَّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} [النحل: 67].
ثم الثانية: {* يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نَّفعهما} [البقرة: 219].
ثم الثالثة: {يأيُّها الَّذين ءامنوا لا تقربوا الصَّلوة وأنتم سكارى} [النساء: 43].